الحراك الإخباري - من خطة "جيمس بيكر " إلى مقترح "دونالد ترامب" ومن تجربة "كردستان العراق" إلى إقليم "كتالونيا": لماذا يخشى المغرب من "استفتاء تقرير المصير"؟
إعلان
إعلانات الصفقات العمومية - ANEP
إعلان

من خطة "جيمس بيكر " إلى مقترح "دونالد ترامب" ومن تجربة "كردستان العراق" إلى إقليم "كتالونيا": لماذا يخشى المغرب من "استفتاء تقرير المصير"؟

منذ 10 ساعات|الأخبار

د. محمد عبد الستار


أوضحت في المقال السابق، التحديات التي تواجه سعي الولايات المتحدة إلى فرض صفقة الحكم الذاتي للصحراء الغربية بالعمل على تمرير مشروع القرار على مجلس الأمن الدولي في جلسته المرتقبة الأسبوع القادم.

وسوف نوضح في هذا المقال كيف أن "الحكم الذاتي" ليس نهاية الحرب، بل هي بوابة لمعركة جديدة ولو بعد سنوات طويلة، كما نشرح فيه تطور مقترح الحكم الذاتي من عهد فرانكو إلى عهد ترامب، ولماذا كانت المغرب دائما ترفض "الاستفتاء" رغم قرارات الأمم المتحدة ورغم العديد من المفاوضات التي تمت بينها وبين جبهة البوليساريو.

فكرة الحكم الذاتي : من الجنرال فرانكو إلى ترامب

يعتقد كثير من المتتبعين أن فكرة الحكم الذاتي للصحراء الغربية اقترحت لأول مرة عام 2007 عندما اقترحها المغرب على الأمم المتحدة. والحقيقة أن إسبانيا بوصفها المستعمرة (بكسر الميم) السابقة، هي التي اقترحت الفكرة في عهد الجنرال فرانكو، وكان ذلك عام 1973، وكانت تخلط بين "الاستقلال الداخلي" والحكم الذاتي".

ولما فشل المسعى، قررت إسبانيا تنظيم استفتاء للشعب الصحراوي، لكن احتلال المغرب للصحراء الغربية عصف به. وظلت الحلول للصحراء الغربية متعثرة بين الاستفتاء على تقرير المصير، والحكم الذاتي، وبين الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي، وبين وقف اطلاق النار والمفاوضات، وبين خطط المبعوثين الأمميين للصحراء الغربية وتعديل تلك الخطط، وبين استقالات المبعوثين الخاصين وتعيين مبعوثين جدد، وبين نهاية مدة المينورسو وتمديد آجالها، وبين تدخل القوى العظمى ومواقف الدول الضعيفة. وظلت المشاريع تفرخ المشاريع، ومشاريع تلغي مشاريع، وقرار يؤكد قرار، وحكم قضائي يؤكد حكم قضائي. في إدارة الفشل على حد تعبير الكاتب حمدي يحظيه في كتابه "الأمم المتحدة وإدارة الفشل في الصحراء الغربية" الصادر عام 2021 عن دار الوعي، حتى جاء مشروع قرار ترامب للحكم الذاتي في الصحراء الغربية.

لماذا المفاوضات بأمريكا؟

يقترح ترامب أن تبدأ المفاوضات بالولايات المتحدة الأمريكية وفورا، وبغض النظر على الصيغة التي تحدد المكان والأجندة، فإن المحللين يتساءلون فعلا عن جدواها، فقد سبق لجبهة البوليساريو والمغرب أن أجريا مفاوضات بالولايات المتحدة، وكانت المغرب تعمل المستحيل لإفشالها، وقد فشلت فعلا.

الأولى هي مفاوضات هيوستن عام 1997 تحت رعاية جيمس بيكر القائمة على أساس حكم ذاتي لمدة 5 سنوات يليها استفتاء لتقرير المصير عام 1998، والثانية في مانهاست ، وهي عبارة عن سلسلة من المفاوضات الرسمية بين الطرفين بدأت بتاريخ 18 جوان 2007 استمرت 7 سنوات كاملة. ولم تصل لأي نتيجة.

ما الذي تغير اليوم؟ لا شيء تغير سوى إرادة ترامب في فرض الحكم الذاتي على الصحراويين.

مشروع الجنرال فرانكو

حكم ذاتي أم استقلال داخلي؟

في كتاب "الأمم المتحدة وإدارة الفشل في قضية الصحراء الغربية: وثائق وحقائق" الصادر عام 2021 عن دار الوعي بالجزائر (ص 44- 50)، ميز الكاتب حمدي يحظيه بين "الحكم الذاتي" و"الإستقلال الداخلي". فالإستقلال الداخلي يعني أن الإستعمار يعترف أن الأرض ليست له، ويتفق مع السكان على بقائهم تحت سلطته مدة محددة من الزمن. أما الحكم الذاتي فيعني أن الإستعمار يحتفظ بالمستعمرة (بفتح الميم) دائما ويجعلها مقاطعة من أرضه يسيرها وفق القانون الساري في بلده مع إعطائها بعض الصلاحيات المحلية في التسيير.

ومنذ فيفري من عام 1973 حاولت الدولة المستعمرة قبل المغرب وهي إسبانيا أن تخلط المفهومين معا، من خلال تمكين جماعة من الشيوخ ينتخبون بطريقة ديمقراطية من تسيير الصحراء الغربية، كما ورد في رسالتها للأمين العام للأمم المتحدة، لكنها تحاشت الحديث عن "تقرير المصير". لكن بتاريخ 3 مايو 1973 نشأت البوليساريو وبدأت تقاتل باسم الشعب الصحراوي فأربكت المخطط الإسباني.

مشروع "أنطونيو كارو": حكم ذاتي لـ "الصحراء الأطلنطية"

وبتاريخ 3 جويلية 1973، وبإيعاز من الولايات المتحدة، قدم الرئيس الإسباني فرانكو، للأمم المتحدة مسودة مشروع تخلط بين الإستقلال الداخلي والحكم الذاتي، فلم يكن المشروع واضحا، وفي جويلية 1974 قدم المشروع للأمم المتحدة مع بعض التوضيحات بدون ذكر تقرير المصير أو الإستقلال التام. وتضمن ما يلي:

- إن الجنرال فرانكو يجعل تحت حمايته سكان الصحراء الغربية من خلال استقلال داخلي وبعد 10 أو 15 سنة يمنحهم الإستقلال.

- خلال هذه الفترة تقوم اسبانيا بتمثيل الدولة الصحراوية في الخارج وتدافع عنها عسكريا وتقوم بإنشاء مؤسسات إدارية تسمح بالمشاركة في الإستفتاء التي تزمع السلطة الإسبانية تنظيمه لتكريس هذه السياسة.

وفي ذات السنة أي عام 1974 أعد "أنطونيو كارو" الذي كان مستشارا بالرئاسة الإسبانية مسودة مشروع خاص بالصحراء الغربية بعنوان "وضع إقليم الصحراء" وهو حكم ذاتي حقيقي، تحمل بموجبه الصحراء الغربية إسم "الصحراء الأطلنطية" لكن المشروع لم يكتب له النجاح. جاء في 11 مادة. وقد وقعت النسخة في يد الملك المغربي الحسن الثاني بتاريخ 4 جويلية 1974فبعث رسالة إلى فرانكو يرفض بموجبها الحكم الذاتي ويهدد بحق الرد.

وهكذا يقي الشد والجذب حتى حدث احتلال المغرب للصحراء الغربية عام 1975 ليعصف بالإستفتاء، فلا حكم ذاتي ولا استقلال داخلي ولا استقلال تام. واستمرت جبهة البوليساريو في الثتال حتى تاريخ وقف اطلاق النار عام 1991 والذي يقضي بتنظيم استفتاء تقرير المصير. لكن المغرب رفضه مما جعل المبعوث الشخصي للأمين العام لأمم المتحدة جيمس بيكر يقدم خطة جديدة.

خطة جيمس بيكر : حكم ذاتي لمدة خمس سنوات

إلى جانب ما سبق توضيحه بخصوص الحكم الذاتي منذ السبعينيات في عهد فرانكو، فقد اقترح المبعوث الأممي للصحراء الغربية جيمس بيكر خطة أخرى للحكم الذاتي، تُعرف بشكل رسمي باسم "خطة السلام من أجل تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية"، هي مبادرة من الأمم المتحدة عام 1997، كان المقصود منها أن تحل محل خطة التسوية التي وُضعت عام 1991، وأجريت المفاوضات بين البوليساريو والمغرب خلال عام 1997 في هيوستن بالولايات المتحدة، تحت رعاية ممثل الأمم المتحدة جيمس بيكر، وكان من المفترض أن يؤدي الاتفاق إلى إجراء استفتاء في عام 1998، وتم توقيع الاتفاق شهر سبتمبر 1997 لكنه فشل في الوصول إلى الإستفتاء.

وفي عام 2000 اقترح بيكر خطة ثانية معدلة عن النسخة الأولى، تنص على الحكم الذاتي تحت سلطة المغرب لمدة خمس سنوات ثم القيام بعد ذلك باستفتاء. ويمكن القول أنها شبيهة بمشروع الجنرال فقرانكو لاسيما من حيث المدة (فرانكو يقترح 10-15 سنة حكم ذاتي).

وفي يوليو 2003 أيَّد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الخطة وقال أنها مناسبة لكلا الأطراف على عكس المشروع الأول. بيد أن المغرب عاد مجددا لرفضها مؤكدا على أن المملكة لا توافق على أي استفتاء يتضمن الاستقلال كخيار. مما أدى بجيمس بيكر إلى تقديم استقالته.

لماذا يخشى المغرب الإستفاء؟

هكذا لم ينجح مبعوثو الأمين العام للأمم المتحدة للصحراء الغربية في حلحلة الأزمة، وظلت المغرب تمارس سياسات الدول المستعمرة في الصحراء، إلى غاية عام 2007 حيث قدمت مقترح الحكم الذاتي يحكم بموجبه الصحراويون أنفسهم محليا بطريقة ديمقراطية. لذلك يتولد السؤال الجوهري: لماذا يخشى المغرب الإستفتاء؟

منذ أن تقرر "الإستفتاء على تقرير المصير عام 1991"، والمغرب يماطل ويخلق الحجج لكي يتأجل أو يلغى تماما، وكان ممكنا أن يتدخل ترامب وماكرون ورئيس وزراء بريطانيا وكل القوى الحليفة للمغرب، ويعدوا قائمة الذين يحق لهم الإستفتاء على تقرير المصير، ويوسعوها حتى للمغاربة الذين جاءت بهم "المسيرة الخضراء" عام 1975 والتي يسيميها الصحراويون "المسيرة السوداء"، ويفرضوها فرضا عبر مجلس الأمن أو بدونه.

ثم كان ممكنا لترامب والولايات المتحدة، أن تقترح استفتاء على ثلاث خيارات هي: الاستقلال التام عن المغرب، الانضمام التام للمغرب، الحكم الذاتي تحت سيادة المغرب. ويكون هذا الاقتراح أكثر جدية ومقبولية وينسجم مع قرارات مجلس الأمن ومحكمة لاهاي والمحكمة الأوروبية، ويكون قرارا كهذا أسهل تمريرا في مجلس الأمن، وربما حتى الجزائر تصوت لصالحه لأنه لا يتعارض مع الفكرة الأساسية وهي "استفتاء تقرير المصير".

لكن المغرب، هي التي ترفض الاستفتاء، وتريد المجتمع الدولي بقيادة فرنسا أو أمريكا أن يمنحانها الصحراء الغربية بأي صفقة ترغب فيها باريس أو واشنطن، سواء أكانت التطبيع مع إسرائيل على غرار اتفاق ابراهام لعام 2020 أو السماح بتوقف السفن المعبأة بالذخيرة المتجه لإسرائيل لقصف المدنيين في غزة بموانئها، أو فتح سفارات غربية في الداخلة المحتلة على غرار فتح سفارة أمريكا في القدس المحتلة بدل تل أبيب.

وهذا الاستنتاج ليس تحامل على المغرب، فهناك ما يؤكد ذلك، ففي 20 أوت 1974، وبعد فشل سعيها نحو "الإستقلال الداخلي والحكم الذاتي"، أشعرت إسبانيا الأمم المتحدة أنها ستنضم الإستفتاء في السداسي الأول من عام 1975 بدل الحكم الذاتي. لكن العاهل المغربي رد على ذلك بالقول: " نحن لا نتخوف من الإستفتاء لكن يجب أن يجرى في جو ملائم..ويكون المغرب موافقا على صيغة السؤال المطروح، فإذا طرح مشكل الشعب الصحراوي فإن المغرب سيرفض..".

وعندما اقترح المبعوث الأممي للصحراء الغربية، والذي كان وزير خارجية الولايات المتحدة، السيد جيمس بيكر حلا يقوم على أساس "الحكم الذاتي لمدة 5 سنوات يتم بعدها استفتاء لتقرير المصير" كانت المغرب أول من رفضه. فلماذا ترفض المغرب الإستفتاء؟ والجواب البسيط، يتضمن سببن هما:

1 – المغرب دولة توسعية

بات واضح أن المغرب لا يرغب في الإستفاء لأنه دولة توسعية يهمها ضم الصحراء الغربية بالقوة العسكرية، وبالصفقات السياسية والإقتصادية مع القوى العظمى، وبعدها يعمل على توسيع أطماعه في التراب الجزائري وربما الموريتاني أيضا. وللتذكير فقد أبان المغرب عن هذه السياسة عند شن هجوما عسكريا على الجزائر عام 1963 بعد أقل من عام من حصول الجزائر على استقلالها، للمطالبة ببعض المناطق في الجهة الغربية يدعي أنها أراضي مغربية، مثلما يدعي اليوم أن الصحراء المغربية أرضه.

2 – تأكده من عدم الفوز في الإستفتاء

أما السبب الثاني، فيكمن في أن المغرب لا يثق في الإستفتاء حتى لو شارك فيه كل المغاربة المقيمين في الصحراء الغربية المحتلة، لأنهم سيصوتون لصالح الإستقلال لينعموا بدولة جديدة من المرجح أن يكونوا ضمن أسيادها بدل العيش ضمن نظام ملكي سئموا منه،

الحكم الذاتي ليس ضم نهائي

إن تصور ترامب للحكم الذاتي على أساس أن الصحراء الغربية "أرض بلا شعب" والذي يريد فرضه بالسرعة القصوى، لا يأخذ بعين الإعتبار العديد من المعطيات التي سوف تجعل "الحكم الذاتي" صعب التنفيذ وبالسرعة التي يريدها ترامب، لاسيما عندما يتعلق الأمر بحدود الحكم الذاتي، أين تبدأ وأين تنتهي، وهل يقبل الصحراويون- في حالة ما إذا قبلوا بالحكم الذاتي- بأي منقطة جغرافيا يحددها ترامب والعاهل محمد السادس، وهل يرض الصحراوين أن تكون بيئة مفتوحة لجميع المغاربة للعيش والعمل والإستثمار أم أنهم سيتمسكون بها كمنطقة مغلقة حتى لا تتم تغيير التركيبة السكانية مع مرور الوقت.؟ وغيرها من الإشكاليات، التي تجعل فكرة الحكم الذاتي من الصعب أن تتجسد بالسرعة والسهولة التي يتصور ترامب.

وعلى هذا يمكن القول، حتى إذا نجح ترامب في الحصول على موافقة مجلس الأمن على "الحكم الذاتي للصحراء الغربية" فإنه لن يكون نهاية الحرب، بل قد يفتح أبواب جهنم على المغرب، ليس بسبب الوضع الداخلي الجديد في "منطقة الحكم الذاتي" بل قد يفجر المطالبة بالحكم الذاتي أيضا في عدة مناطق مغربية منها الريف. وسوف ينقلب حينها السحر على الساحر، فقد يؤدي الحكم الذاتي للصحراء الغربية إلى بداية تفكك المغرب.

ومع ذلك، فإن الحكم الذاتي، حتى إذا تم، فإنه لن يكون حلا نهائيا للأزمة، فقد تتحول الصحراء الغربية إلى "غزة في شمال إفريقيا" وتظهر فيها المقاومة تلو المقاومة للمطالبة بالإستقلال التام.

فالتاريخ البشري يزخر بالعديد من التجارب في هذا المجال، ولعل أهمها تجربة الأكراد في العراق، فبعد سنوات طويلة من الحكم الذاتي، تم تنظيم استفتاء تقرير المصير شهر سبتمبر عام 2017 لكن ضغط الحكومة المركزية وبعض الدول على غرار تركيا حال دون انفصال كردستان العراق، لأن ذلك يؤثر على الوحدة الترابية لتركيا، ولم تعترف باستقلال كردستان العراق سوى إسرائيل.

نفس الشيء حدث مع إقليم كتالونيا الإسباني، حيث تم الإستفتاء شهر أكتوبر 2017 وجاءت التصويت لصالح الإستقلال، لكن الضغط الأوروبي حال دون حصول كتالونيا على استقلالها، خوفا من امتداد العدوى لعدد من الدول الأوروبية الأخرى التي لديه وضع مشابه. ثم إن رفض الدول الأوروبية لاستقلال كتالونيا هو الذي جعل بعضها يرفض استقلال كردستان.

تاريخ Oct 28, 2025