الحراك الإخباري - جدلية النخبويّة والديمقراطية مقاربة في الفكر الليبرالي الغربي المعاصر
إعلان
إعلان

جدلية النخبويّة والديمقراطية مقاربة في الفكر الليبرالي الغربي المعاصر

منذ 4 سنوات|قراءة في كتاب

صدر مؤخرا عن دار دجلة ناشرون وموزعون الأردنية كتاب " جدلية النخبويّة والديمقراطية: مقاربة في الفكر الليبرالي الغربي المعاصر"، للمفكر الدكتور أمجد حامد الهذال.

ويقول المؤلف في مقدمة الكتاب إنّ الأفكار السياسية تستمد قيمتها من مَدياتْ القدرة التنظيرية التي تطرحها من أجل استكناه نظريات سياسية متماسكة، ومنتظمات فكرية متكاملة، وإمكانية نقدية متواصلة.

وبما أن الفكر السياسي هو محاولة تأملية في الظاهرة السياسية، فمن المُنتظر أن يظهر قدرةً على قراءة النصوص السياسية القديمة، أيّاً كانت قيمتها في المخيال الفكري، من ثم فإن عملية الفحص والتحليل وبالتالي النقد ستكون حاضرة، لإماطة اللثام عن مكامن القوة والضعف في الأفكار السياسية القديمة؛ ليس هذا فحسب، إنما يجب أن يتم طرح البديل الأنسب ضمن منظومة فكرية تستطيع أن تردم هوّة الفجوات في تلك التنظيرات، وفي أحيان أخرى، تقدم نموذجاً فكرياً سياسيّاً جديداً يلاءم الزمان والمكان.

وأوضح الفكر السياسي الغربي قدّم ، على مر العصور، أفكاراً ونظريات وأيديولوجيات سياسية مختلفة؛ كانت تهدف إلى وضع نظرية سياسية قادرة على تقديم نموذج مثالي للحكم، يكون بمقدورها توليد استقرار سياسي واجتماعي، بما يحد من فجوات التفاوتات الطبقية، ويقلل من وطأة الصراعات السياسية على السلطة والحكم. إلا أن هذا الفكر لم يستطع أن يقدم هندسة سياسية يُتفق على مضامينها، بسبب تباين المنطلقات الفكرية، واختلاف البيئات السياسية، وتمايز التنشئة الاجتماعية، لتلكم الاتجاهات الفكرية؛ وهذا لا ينطبق على الفكر القديم أو الوسيط فحسب، إنما يشمل –أيضاً- الفكر السياسي الحديث والمعاصر.

وعلى الرغم من أن الفكر السياسي الليبرالي الغربي المعاصر ناصرَ المنظومة الديمقراطية بعمومها، لا بتفاصيلها، وركن إلى ضرورة وجود شرعية للنظام السياسي عبر السيادة الشعبية، إلا أن تنظيرات متعددة لم تقبل الديمقراطية على علّاتها، وقبلتها مرحلياً، وهذا أدى بها إلى أن تقدم مقاربة فكرية جديدة، تستمد أصولها من الفكر القديم، وتستهدي بأفكار فلاسفة يونانيين بارزين، وباعثهم في ذلك هو ضرورة تجنيب المجتمعات الحالة الفوضوية، التي قد تكون أحد مسبباتها الأفراط في الديمقراطية.

لذلك فإن دراسة الفكر السياسي الغربي المعاصر عبر اتجاهات متعددة ليست بالمهمة اليسيرة، فالاتفاق على “نمذجة” هذا الفكر ووضعه في أوعية تتمايز فيما بينها، مازال بعيد المنال. لأن تصنيف الأفكار السياسية ضمن اتجاهات محددة يثير مشاكل عِدّة، أبرز هذه المشاكل تعكسها المنظومة الفكرية التي يقدمها المفكر؛ بمعنى أن عملية وضع مفكر ما ضمن إطار فكري محدد قد يولد تصوّراً بأن هناك محاولة لجمع متناقضات فكرية في منظومة واحدة. إلا أن هذه المشكلة سَتقلُّ وطأتها من خلال وضع معايير واضحة المعالم والدلالة لتنصيف الاتجاهات الفكرية.

لذا فقد حاولت الدراسة أن تستخلص تصنيفاً للأفكار السياسية المعاصرة من أجل مناقشة وتحليل جدلية العلاقة بين فكرتين مهمتين على مر العصور، (النخبوية والديمقراطية)، من دون أن يعني ذلك غياب الثغرات في هذا التصنيف، فإن أصبنا فلنا حسنتان وإن أخطأنا فحسنة واحدة كما يُقال.

على ضوء ما طُرح، يمكن أن نرصد اتجاهين فكريين أساسيين حاولا أن يخوضا جدلاً متواصلاً حول فكرتي النخبوية والديمقراطية، أطلق الباحث على الصنف الأول (الاتجاه النخبوي) في حين أطلق على الصنف الثاني (الاتجاه المساواتي الديمقراطي)؛ وأساس بناء كلا الاتجاهين تُرجم إلى مدارس فكرية محددة. وكان معيار الاختيار متمثلاً بقدرة المفكر على دراسة النخبوية والديمقراطية عبر النقد أو التأييد. الأمر الذي أفرز اختيار مفكرَين اثنين من كل اتجاه، مفكرٌ تناول النخبوية والديمقراطية من منظار فلسفي، وآخر تناولهما من منظار علمي – أكاديمي. وهذا المعيار قد تحقق في الاتجاهين معاً.

تبرز أهمية الدراسة من انطلاقها لتفحص موضوعات مهمة للاشتغال الفكري على مر العصور، وبرزت آثارها في الفكر الليبرالي الغربي المعاصر، من خلال القيام بعملية ربط الأفكار المتناثرة ونمذجتها في اتجاهات فكرية محددة، لكشف مديات التفاعل والسجال بين النخبوية والديمقراطية، مما يتفتح الباب للباحثين لمحاولة تقديم دراسات أوسع وأعمق ذات صلة بالموضوع؛ باعتبار أن هذه الدراسة تعد باكورة وبداية تحتمل الهفوات، وربما تكتنفها الفجوات.

تاريخ Nov 8, 2019