الحراك الإخباري - جيوبوليتيكا القارة الأفريقية:جدل السياسة، الجغرافيا والأمن
إعلان
إعلان

جيوبوليتيكا القارة الأفريقية:جدل السياسة، الجغرافيا والأمن

منذ 4 سنوات|قراءة في كتاب

صدر في الفترة الأخيرة عن دار الحامد الأردني كتاب بحثي جماعي بعنوان "جيوبوليتيكا القارة الأفريقية:جدل السياسة، الجغرافيا والأمن"، لمجموعة من المتخصصين المرموقين في الوطن العربي، تحت إشراف و تنسيق عميد كلية الحقوق بجامعة قادي مرباح بورقلة، البروفيسور بوحنية قوي.

وقال مشرف الدراسة في مقدمتها إنّ القارة الأفريقية أو القارة اللغز في الأجندة الجيوستراتيجية العالمية يسكنها حوالي (280) مليون نسمة ونسبة هؤلاء السكان بالنسبة للعالم حوالي 12%. ويختلف توزيع السكان في أفريقيا نتيجة لعدة عوامل طبيعية كالتضاريس والمناخ والتربة والأهمية الإقتصادية للمكان، بالإضافة إلى العوامل البشرية المتعددة وأهمها: مشكلات الحروب الأهلية – الحدود – الدور الإجتماعي للمرأة. ومتوسط الكثافة السكانية بالنسبة للكيلومتر مربع حوالي 10نسمة، بينما يزيد هذا المتوسط في باقي القارات الأخرى، إذ ترتفع الكثافة إلى 60 نسمة في الكيلومتر مربع في آسيا، و85 نسمة في الكيلومتر مربع في أوروبا. لذا يمكن القول أن القارة الأفريقية قليلة السكان ومواردها يمكن أن تستوعب أعداد أكثر مما هو موجود الآن، وهي تعاني من قلة الأيدي العاملة والخبرات الوطنية.
   وأوضح أنّ الاستعمار لعب دورا خطيرا في الاستحواذ على الثروات الطبيعية للقارة الأفريقية، وترك الأهالي الوطنيين للحياة بالمستنقعات والصحاري مما ساعد على جلب العمال من بلاد أخرى غير الوطن الذي يعيش فيه ويستغل خبراته حتى لا يعرف الأهالي ثروات بلادهم.
كما ظلت الأزمات والكوارث السمة الدائمة لكثير من الدول الإفريقية طوال الحقب التي أعقبت استقلال القارة من الاستعمار الأوروبي، وتولدت عن تلك الأزمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية حالات انفلات الأمن واختلال الاستقرار السياسي، كما أدت إلى معدلات نمو متدنية وإلى معدلات سالبة في بعض الحالات، خاصة خلال عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي حيث واجهت القارة ظروف طبيعية قاسية،إضافة إلى آثار الأزمات الاقتصادية والمالية في العالم.
   واضاف أن التباين والمفارقات في دخول المجموعات السكانية والاختلال في التوزيع العادل للثروة بين القبائل والأقاليم المختلفة ومطالبة بعض الأقاليم أو القبائل بالاستئثار بالموارد والثروات الطبيعية الكامنة أو المستخرجة من أراضي مناطقها أيضا قد أخر عملية التنمية.
وعن أسباب الصراع حول الموارد، يؤكد بوحنية أنه يجب الحديث عن الخلفية التاريخية وتأثيرها على الاستقرار السياسي وأيضا إلى مخاوف الهيمنة وبروز روح المصالح الأثينية والشخصية إلى السطح، ولكن قبل كل ذلك يكون موضوع إهمال السلطات لهذه الموارد هو السبب الرئيسي للصراعات.
     والجدير بالذكر أن الصراع على الموارد والثروات، يضيف المحرر، ليس محصورا على الإثنيات فقط، فالدول أيضا تدخل في هذا النمط من الصراع، بحيث أنها تحاول أن تحتكر منطقة معينة فيها موارد معينة، بدون أن تعطي أصحاب الإقليم أو سكانه حقهم من العائدات وبدون أن تعطيهم حقوقهم أو تبخسهم فيما يفترض أن يجدوه من بعض المشاريع.
   فمشاريع مثل صناعة النفط وإنشاء السدود والمناطق الصناعية، أو الزراعية الضخمة كلها مشاريع تضطر في بعض الأحيان لإلحاق الضرر بالأهالي مثل ما حصل في مشاريع السدود العملاقة في السودان ومصر من تهجير النوبيين من مناطقهم الأصلية، وأيضا الصراع الدائر في نيجيريا بين الحكومة والحركات المسلحة في منطقة دلتا النيجر والتي تطالب بحقها كاملا من عوائد النفط والصراعات التي تقوم بين القبائل والشركات العملاقة في مناطق المناجم في بعض دول الجنوب الأفريقي،وكثيرا ما تأخذ هذه المطالبات أشكال نقابية وجمعيات حقوق تطالب وتدافع عن حقوق اقتصادية وسياسية واجتماعية.
   ولكن لا يمكن أن يستثنى من المسألة طموحات بعض السياسيين في القارة من الذين يحلوا لهم استغلال الأوضاع الإدارية المتردية أو العزف على وتر الاثنية وإذكاء روح الاستعلاء بين الأهالي، باعتبار إن أقاليمهم تدر عليهم من الأموال أكثر مما تصرفه الحكومة عليهم بكثير، وطبعا ذلك لتحقيق مكاسب سياسية ، هذا بالإضافة إلى أن الدول الأفريقية لا تستطيع أن تعدل في اقتسام الموارد بوضعها التعليمي ونقصها الإحصائي وهجرة كوادرها حتى لو أرادت ذلك ، هذا بالإضافة إلى أن الدول الكبرى لها دور في الحديث حول التهميش والظلم الإقليمي وذلك لتحقق مكاسب لها في القارة ، كل هذه عوامل لا ينبغي تجاهلها.
وقد كانت تلك الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وفق الدراسة، سببا لاندلاع الثورات والانتفاضات الشعبية لتغيير نظام الحكم القائم قسرا، ولكن سرعان ما اصطدم قادة الانقلابات العسكرية والسياسيون مفجرو الثورات بواقع الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية التي استعصت عليهم مواجهتها وأحداث التغيرات المطلوبة والموعودة.
   وعلى العموم، فإنّ الكتاب هو تخندق معرفي لمجموعة من الخبراء والشأن الإقليمي يأتي كثمرة جهود رصينة تعكس مدى الاهتمام وأهمية الإقليمية كاتجاه دبلو-أمني وتنموي ستكون القارة أحد مشاهد الحراك الجيوستراتيجي لمطالع القرن الحادي والعشرين، والتي ستعرف تجاذبات حادة في إطار معادلة الأمن، الثروة والجغرافيا.
ونشير أن الدراسة شارك فيها الدكاترة عبد القادر عبد العالي و بلهول نسيم (الجزائر)، أيمن شبانة، وأميرة محمد عبد الحليم، وهاني سليمان قربه (مصر)، يوسف محمد الصواني (ليبيا) ، إبراهيم كانتي (مالي) .

تاريخ Dec 6, 2019