الحراك الإخباري - قراءة معاصرة في تراث المفكر العالمي "المشروع الحضاري عند مالك بن نبي"
إعلان
إعلان

قراءة معاصرة في تراث المفكر العالمي "المشروع الحضاري عند مالك بن نبي"

منذ 4 سنوات|قراءة في كتاب



صدر مطلع العام الجديد كتاب "المشروع الحضاري عند مالك بن نبي"، قدّم من خلاله الباحث المصري الدكتور حسان حسان قراءة معاصرة في تراث المفكر الإسلامي الكبير.

وفي ثنايا الجهد العلمي والمنهجي المميز، يسجل المؤلف أنّ المشروع الفكري عند مالك ابن نبي قائم على استقراء التاريخ و عوامل القوة و الضعف لدى الحضارات، سعيا لتحقيق ميلاد مجتمع إسلامي من جديد. 
و أهم ما يميز هذا المجتمع هو شبكة علاقاته الاجتماعية ، التي تُوَحد عمل أفراده في منظومة متكاملة تجمعها غاية عليا، و قيمة عقدية كبرى تحركها، حيث تتميز عن المجتمعات التي قامت نتاجا للظروف الطبيعية / الجغرافية .. إلخ .

ولذلك يتساءل بن نبيّ في أعماله الخالدة: هل الثروة الحضارية ( علمية كانت أو مادية ) كافية لبقاء المجتمعات ؟ و ما هو المفهوم المتكامل للمجتمع الذي يشمل كل جوانبه ، و ما أسباب قصور النظرية الماركسية و أمثالها عن تقديمه ؟ و ما هي الركائز التي تقوم عليها الحضارة ، و ما أركان شبكة العلاقات الاجتماعية ؟.. الخ من الأسئلة التي عُني بالإجابة عليها تراث مالك بن نبي الفريد من نوعه. 
و كمدخل شامل لهذا التراث الفريد، يأتي كتاب : " المشروع الحضاري عند مالك بن نبي " للدكتور  حسان حسان،  الصادر عن دار "مفكرون الدولية" بالقاهرة، واقفا على ثغر في غاية الأهمية .

ويؤكد الباحث في دراسته العميقة أنّ المشروع الحضاري عند مالك بن نبي يعتمد على فرضية مهمة، تجعل من الإنسان هو الداء والدواء، فمهما توافرت العوامل الاقتصادية والسياسية، مع غياب وعي الإنسان بدوره الحقيقي وبرسالته الاستخلافية، فلا جدوى في العمران. 
ذلك أنّ الحضارة ليست هي الوضع المادي فقط، ولكنه جملة أوضاع أخلاقية يكتسبها الإنسان في كل مراحل عمره من الطفولة إلى الشيخوخة، إنها حالة " تغييرية النفس" بالأساس وفي الجوهر، كما عبر عنها الوحيّ " إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ".
وعليه، فإنّ من أسباب هذه الأزمة الحضارية، مثلما انتهت إليها نظريات بن نبيّ، هي اختلال وغياب التوازن، المشكلة الفكرية، والاستعمار، والقابلية للاستعمار (بعبارات أخرى القابلية للاستخفاف أو القابلية للعبودية أو القابلية للاستحمار)، ومن أهم أسباب الأزمة كذلك: وهن الدفعة القرآنية.
والوهن الذي يرصده مالك بن نبي، من وجهة نظر المؤلف، لا يعني أن المسلم قد تخلى عن عقيدته أو إسلامه، ولكن معناها أن العقيدة فقدت بعدها الجوهري، وهو البعد الاجتماعي، هذا البعد الذي أساسه ربط الوحي بين الإيمان وبين العمل الصالح في شتى صوره وأشكاله وأبعاده الكونية والمعمارية إلى حد الأمر بغرس الفسيلة حتى إذا قامت القيامة نفسها!
ولتحقيق الصعود الحضاري للأمة، حسب توجيهات الفلسوف بن نبيّ، يجب التحلي بالقيم الكلية الآتية:
أولا: القيم الأخلاقية: والتي تعتمد في الفكر الإسلامي على الجهد (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، وعلى التيسير (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ،
ثانيا: القيم الجمالية: ذلك أن الجمال هو الإطار الشامل لتصور الإنسان للكون والإنسان والخالق.
ثالثا: القيم العملية: إذ يرصد مالك بن نبي الفجوة بين عالم الفكر وعالم العمل، فالواقع الإسلامي مشتت بين " فكرة لا تتحقق، أو عمل لا يتصل بجهد فكريّ"، بينما المرحلة التي تعيشها الأمة حاليا هي البحث عن السبل العملية لتنفيذ الأفكار الإصلاحية التي ظهرت منذ العصر الحديث وحتى اليوم.

الكتاب يعدّ بالفعل بحثا منهجيّا رصينًا، يلخّص تراث مالك بن نبيّ في أهم مقارباته للأزمة الحضاريّة، ليعرضه في جملة من الأفكار الأساسيّة لاستئناف مسيرة النهضة الإسلاميّة، ما يجعله ميسورا للقراءة والفهم من جميع الفئات.

تاريخ Jun 12, 2019