الحراك الإخباري - كتاب حول تأصيل وتطبيق الحريات الفردية يدحض الفهم السيء لموقف الإسلام
إعلان
إعلان

كتاب حول تأصيل وتطبيق الحريات الفردية يدحض الفهم السيء لموقف الإسلام

منذ 4 سنوات|قراءة في كتاب

صدر للباحث المغربي الحسين الموس؛ كتاب جديد بعنوان "الحريات الفردية تأصيلا وتطبيقا"، من إصدار مركز المقاصد للدراسات والبحوث، عن الدار المغربية ودار الكلمة للنشر والتوزيع.

ويوضح الموس في مقدمة كتابه أنه "أسيء فهم موقف الإسلام من الحريات الفردية، ووجهت له كثير من التهم من هذه الزاوية، فزعم بعضهم أن الإسلام حجّر على الحريات الفردية، وقيدها بشكل كبير، ومثّلوا لذلك بمسألة حد الردة، أو الإكراه على أداء بعض العبادات، وكذلك الضوابط الموضوعة في علاقة الرجل بالمرأة".

وأشار الموس في إلى أنه يقابل سوء الفهم "وجود بعض الفقهاء الذين يرفضون الحريات الفردية جملة وتفصيلا، و يظنونها سببا مباشرا في انتشار الموبقات والمحرمات، وفي تدمير القيم الأسرية النبيلة القائمة على الترابط والمودة. وهكذا وقع الفرد المسلم في حيرة من أمره بين اتجاهين متعارضين أيهما يرتضيه ويطمئن له".

ويسعى هذا الكتاب حسب صاحبه "إلى بيان موقع الحريات الفردية في النسق الإسلامي العام، وعلاقة ذلك بقيم المجتمع الإسلامي وآدابه. وهو محاولة للتأصيل الشرعي لريادة الشريعة في تمكين الفرد من حقه في اختيار ما يشاء دون إكراه من أحد".

ويأتي الكتاب في سياق الجدل بين الإسلاميين والعلمانيين على خلفية الموقف من الحريات الفردية، حيث وجهت انتقادات شديدة إلى تيار الإسلام السياسي، بل إلى الإسلام ذاته، بمخاصمة منظومة حقوق الإنسان الدولية، وبشكل خاص، ما يصطلح عليه بالحريات الفردية.

ويحاول هذا الكتاب أن يشق طريقا آخر، لا يقطع مع هذا المنطق بالكلية، لكنه يقترب من ساحة التأصيل، ومحاولة محاورة أطروحات حركات الحريات الفردية، وذلك بعرض فلسفة الإسلام ومقاصده الكلية اتجاه القضايا التي تتبناها وتدافع عنها الحركات المدافعة عن الحريات الفردية.

ويلجأ الدكتور الحسين الموس في كتابه إلى تحرير المفاهيم وتقصيها، سواء ما يرتبط بمفهوم الحرية أو ما يتعلق بمفهوم الفرد، ثم يبحث هذه المفردات في الحقل الشرعي، وتحديدا في النص القرآني والحديثي.

ويستعير مفهوم "فطرية الحرية" الذي أصل له الشيخ الطاهر بن عاشور، ويذكر ببعض أساسيات الشريعة بخصوص هذا المفهوم.

ويعرّض المؤلف للنقاشات الكلامية التي تفجرت مبكرا على خلفية قضية الحرية، بين مذهب الجبر ومذهب الاختيار، مبينا بهذا الخصوص أن الفهم الصحيح لمفهوم القضاء والقدر لا يتعارض مع حرية الإنسان في العمل والأخذ بالأسباب، ولا يؤسس لأي جبرية تشوش على مفهوم الحريات الفردية.

ويمضي الباحث إلى تأصيل هذه الحريات من أرضية التصور الإسلامي، انطلاقا من سبر بعض قواعد الشريعة، واستقرائها، وينتهي المؤلف في هذا السياق إلى إثبات أصالة الحرية الفردية في الشريعة الإسلامية، مستعينا في ذلك بعدد من القواعد التي استقرأها وبسط شروحها وتطبيقاتها، وذلك من قبيل قاعدة "الشارع متشوف للحرية" وقاعدة: "الأصل في الأشياء الإباحة" وقاعدة: "الإكراه يسقط أثر التصرفات".

بعد جهد التأصيل الذي بذله المؤلف لإثبات أصالة الحريات الفردية في الشريعة الإسلامية، يمضي إلى تحرير القول في موضوع تقييد هذه الحريات، فيستعير مفهوم الشاطبي، للمقصد العام من الشريعة، وأن غاية الشرع تتلخص في تحرير العبد من داعي الهوى والشهوة والانقياد لربه. ويميز في هذا الصدد بين مفهوم الحرية التي يكون فيها الإنسان متحررا من هواه بحيث تظهر إرادته وحرية تصرفه من غير خضوع لهواه، وبين مفهوم الحرية التي تعني الانقياد للهوى والغرض حتى ولو كان يلحق الضرر بالفرد والمجتمع، مبينا في هذا السياق مقصد رفع الضرر في الشريعة الإسلامية.

ويخلص المؤلف إلى تركيب يرى فيه أن الحرية فطرية، وأن تقييدها أمر طارئ في الشريعة الإسلامية يتم اللجوء إليه لتنظيم الحرية ومنع إلحاق الضرر بالخلق.

ويعتبر أن تنظيم هذه الحرية لا يكون فقط بالمقتضيات القانونية التي تمنع التنازع بين الخلق عند التزام هذا المعنى المشوه للحرية، وإنما يكون أيضا بوازع داخلي يستشعره الفرد وتبنيه التربية، وهو ما يصطلح عليه بالمسؤولية، ويعتبر أن تلقين المبادئ وتيسير عملية تشربها لدى الناشئة يساعد على تمثل هذا المفهوم، وإحداث التوازن بين إقرار الحريات الفردية، وبين تحصين مصالح الخلق، ومنعهم من التنازع على خلفية الممارسة غير السليمة للحرية الفردية.

وينتقل المؤلف في المحور الثاني والثالث من كتابه إلى استعراض بعض القضايا العقدية والتعبدية والتشريعية التي تم النظر إليها من قبل بعض العلمانيين على أساس أنها تدخل سافر في الحريات الفردية وانتهاك لها، محاولا تحرير النظر فيها ورفع الالتباس بشأنها.

ويقرر منذ البدء أن عددا من الاجتهادات الخاطئة هي التي تسببت في حصول هذا الالتباس، وأن الاجتهاد التجديدي رفع هذه الشبهات، وأصل للانسجام بين العقيدة والحرية الفردية من جهة، وبين ممارسة العبادات والحريات الفردية من جهة ثانية.

ويختم المؤلف كتابه بالتأكيد على أن الشريعة جعلت من مقاصدها تمكين الفرد مـن الاختيار الحر لمـا يعتقده ويؤمن به، ومنعـت كـل إكراه في أمور العقيدة والتفكير، وأقرت حرية الـدخول والخروج في الدين، بشرط تجنب التصرفات الكيدية التي تـستغل الفقـر والـضعف لزعزعة عقيدة الناس، كما فسحت مجال المناظرة ومطارحة الأفكار بـين أهـل العلـم والنظر، سواء في جزئيات الدين التي تحتمل أكثر من وجه، أو في غيرها من القـضايا المستجدة، لما في ذلك من إثراء للعقل المسلم، وتجديد فهم الدين والعمل به.

تاريخ Nov 7, 2019