الحراك الإخباري - "ما بعد عقيدة مونرو" .. الثورة الصناعية الخامسة بقيادة أمريكا !
إعلان
إعلان

"ما بعد عقيدة مونرو" .. الثورة الصناعية الخامسة بقيادة أمريكا !

منذ 3 أشهر|الأخبار


بقلم: د. مهماه بوزيان


"ما بعد عقيدة مونرو" .. الثورة الصناعية الخامسة بقيادة أمريكا، أو بتعبير تكنولوجي رقمي (ترامب 2.0 و الثورة الصناعية 5.0).

حين تكتب الـ"فاينانشال تايمز" على صدر صفحتها الأولى في عددها لنهار اليوم، الثلاثاء 21 جوان 2025، التالي: "العصر الذهبي لأمريكا يبدأ الآن".

وتنقل شهادة بأن دونالد ترامب يَعِد بـ "العصر الذهبي" في أول خطاب له باعتباره الرئيس السابع والأربعين (47) للولايات المتحدة.

وتنشر "الغاردين"، على صدر صفحتها الأولى، نقلا عن ترامب قوله في خطاب حفل تنصيبه "لقد أنقذني الله، لأجعل أمريكا عظيمة من جديد".

كما نشرت الـ"فاينانشال تايمز" صورة لـ"أباطرة التكنولوجيات الرقمية والذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة" في اصطفاف خلال حفل تنصيب "دونالد جون ترامب" كصورة مرفقة لتقرير مراسيلها المُعنْون بـ"ترامب يُفصح عن نيته لترك بصمة على المشهد السياسي الأمريكي" في صفحتها السادسة (6).

من خلال مرامي هذه التصريحات المقرونة بهذا المشهد للإصطفاف المبتهج، والذي يُبرز أيضا التصاق عيون أصحابها بشاشات أجهزتهم الرقمية، أعتقد بأن الـبصمة ستكون محفورة عميقا في المشهد العالمي، وسيكون "الأزميل" فيها: الذكاء الإصطناعي والتقنيات الرقمية والكوانتية (الكمومية) والبيانات الضخمة والأنظمة الذكية والتكنولوجيات المتقدمة والحيوية والنانوية، وعلوم المواد لحشد الموارد المعدنية والطبيعية والمنجمية على اختلافها، مع حشد الموارد المالية دون أي اعتبار لمفهوم السيادة أو أية مراعاة لـ"القيود البيئية أو المحاذير المناخية"، ودليل ذلك واضح بائن، يُبرزه توقيع الرئيس ترامب، في أول يوم تنصيبه، على أمر تنفيذي يقضي بإنسحاب الولايات المتحدة من إتفاقية باريس للمناخ بشكل فوري (وذلك للمرة الثانية، كما فعلها في عهدته الأولى)، ضمن حزمة من الأوامر التنفيذية، أشبه ما يكون بـ"تسونامي" القرارات والأوامر الرئاسية ذات التداعيات الدولية.

ففي الوقت، الذي لا تزال فيه المجتمعات عبر العالم لم تستوعب بعد مقتضيات "الثورة الصناعية الرابعة 4.0"، ولم تتمكن من تأطير تداعياتها على حياة الناس والإنسانية، حتى تجد "أباطرة التكنولوجيات الرقمية والذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة" يصطفون خلف الرئيس الأمريكي الـ47، "دونالد جون ترامب" يوم الاثنين 20 جانفي 2025، إيذانًا بالدخول بالعالم في عصر جديد، عصر "الثورة الصناعية الخامسة 5.0"، وستبدأ معها "الموجة التدميرية: التدمير الإبداعي الذي كان الفكرة البذرة لتوليد مفهوم الفوضى الخلاقة"، وفقًا للنظرية التي وضعها الاقتصادي النمساوي "جوزيف شومبيتر" في العام 1942 وحان الوقت لبداية موجتها السادسة.

هذه الموجة السادسة، لن تكون ثورة تكنولوجيا على ما هو موجود وقائم (تتصف بالتمركز حول التخليق، وأنترنت الأشياء، والإنتاجية الجذرية للمواد، ...) فحسب، بل ستكون أيضا تحوّلا جذريًا أمريكيا عن "عقيدة مونرو" ومبادئها الأربعة، والتي يعتبرها المتخصصون في الشأن الأمريكي، بمثابة حجز الزاوية في السياسة الخارجية الأمريكية، على مدى القرنين الماضيين، إذ تعود التسمية إلى الرئيس الأمريكي جيمس مونرو (1817-1825)، والذي تبنى سياسة معارضة للتمدد الأوروبي في نصف الكرة الأرضي الغربي، مع عدم تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للقوى الأوروبية أو في أي حروب تنشب بينها. وأعتبر جيمس مونرو، الرئيس الخامس للولايات المتحدة، بأن "العالم القديم" و"العالم الجديد" لهما نظم مختلفة ويجب أن يظلا محيطين منفصلين. 

اليوم، أمريكا انتقلت من حكم الرئيس الخامس (5) إلى ولاية الرئيس (47) الذي يحلم بجعل أمريكا ذات (51) ولاية فدرالية .. حكمان يفصل بينهما قرنان (200 سنة) من الزمن، (1825-2025) .. لكنني أعتقد بأنه سيحدث تحوّل دراماتيكي .. سيتخلى دونالد ترامب عن "مبادئ مونرو" بشكل جذري وسيؤسس لأمريكا أخرى مختلفة، في تحوّل مشهدي إلى حالة الدولة "المتعطشة للموارد" والشرهة لها، والمستهدفة لـ"تضخم كيانها وهيمنتها" .. مبادئها الجديدة هي: أميركا أولا، مزيدا من الحمائية والتعريفات الجمركية والرسوم، البضائع والسلع الاميريكية أولا ودائما، وأمريكا هي من تقود، وأمريكا ينبغي لها التصدي بقوة للتهديدات الوجودية وغير العادية، وأمريكا ليست دولة داعمة بل هي دولة مهيمنة وينبغي أن تتعاظم هيمنتها. وهذا يتجلى أيضا من خلال التصريحات الأولى لـ"ماركو روبيو" مباشرة بعد موافقة مجلس الشيوخ على تعيينه وزيرا جديدا للخارجية الأمريكية في إدارة ترامب الجديدة، حيث اعتبر بأن الصين "تشكل تحديًا غير عادي" للولايات المتحدة، وهو الأمر الذي من المرجح أن يحدد طبيعة وملامح القرن الحادي والعشرين، أمّا غرينلاند فستظل على رادار الولايات المتحدة وسط الدفع بالمزيد من نفوذ أمريكا في القطب الشمالي.

خلاصة الخلاصة: 

هذه ملامح كبرى لسياسة هيمنة جديدة ناشئة وفي طور التشكّل (5.0)، تستوجب منا حشد أرصدة قوتنا الكامنة، على تنوّعها، وضبط أولوياتنا الإستراتيجية والجيوسياسية، بما فيها ﺟﻴﻮﺳﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﻤﻮارد اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ، لبناء خياراتنا الآمنة وهندسة مستقبلنا الذي نطمح إليه بحل اقتدار وفعالية وفاعلية، والذي يفرض على الغير حاجته إلينا، واحترامه لنا ضمن من منظور خياراته ومشاركته لخياراتنا ضمن أجنداته الإقليمية والدولية.

تاريخ Jan 21, 2025