من واشنطن: محمود بلحيمر
هل سيفلح ترامب هذه المرة في وقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا؟ تطورات الملف خلال الأيام الأخيرة تفيد بأن هناك زخما نحو التوصل إلى اتفاق يضع حدا لحرب تقترب من إتمام عامها الرابع.
شبكة "سي بي أس" (CBS) الأميركية كانت أول من تحدث صباح الثلاثاء 25 نوفمبر عن موافقة الحكومة الأوكرانية على اتفاق للسلام مع موسكو، بحيث نقلت عن مسؤول أميركي، لم تسمه، قوله إن الأوكرانيين وافقوا على اتفاق السلام، مشيرا إلى بقاء بعض التفاصيل البسيطة التي يجب ترتيبها، وفق قوله. و نقلت الشبكة عن مستشار الأمن القومي الأوكراني، روستيم أوميروف، قوله إن تفاهما مشتركا حول المقترح الذي تقدمت به الولايات المتحدة قد تم التوصل إليه، مع بقاء بعض التفاصيل التي يجب تسويتها، معربا عن تفاؤله بأن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد يسافر إلى واشنطن قبل نهاية نوفمبر لإتمام الاتفاق.
تفاؤل في واشنطن وحذر في موسكو
وفي نفس اليوم سارع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشل" ليتحدث عن "عدة نقاط خلاف متبقية فقط، وقال إنه وجّه مبعوثه ستيف ويتكوف للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، ودان دريسكول، وزير الجيش للقاء المسؤولين الأوكرانيين، مشيرا إلى أنه يتطلع إلى لقاء زيلينسكي و بوتين قريبا، و"لكن فقط عندما يكون اتفاق إنهاء الحرب نهائيا أو في مراحله الأخيرة، وفق تعبيره". وبعد ظهر الثلاثاء شدد ترامب عن اعقتاده بقرب التوصل إلى صفقة.
المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، تحدثت بدورها في منشور عبر منصة "إكس" عن تقدم هائل نحو التوصل إلى اتفاق سلام من خلال جمع أوكرانيا وروسيا إلى طاولة المفاوضات". مشيرة إلى أن هناك بعض التفاصيل الدقيقة التي يجب تسويتها، وهي غير مستعصية على الحل، ولكن ستتطلب مزيدا من المحادثات بين أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة، وفق تعبيرها.
لكن موسكو تتحدث بلغة مغايرة. المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف قلل من أهمية التصريحات التي تتحدث عن قرب تحقيق السلام، واصفا إياها بأنها "سابقة لأوانها".
ما سر التحفظ الروسي؟ لكي نفهم ذلك ينبغي العودة إلى خطة السلام الأميركية المكونة من 28 بندا، التي تم الكشف عنها الأسبوع الماضي وقالت موسكو بأنها "يمكن أن تشكل أساسا جيدا لمحادثات إنهاء الحرب في أوكرانيا". هذه الخطة خضعت لتعديلات لكي تلقى قبولا من كييف لكن يبدو أن تلك التعديلات نفسها قد تدفع موسكو لرفضها. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، اتهم أوروبا وأوكرانيا بمحاولة تحريف الخطة الأصلية، التي كان ترامب يدعمها، وقال إن روسيا تنتظر استلام النسخة المعدلة من الولايات المتحدة. لافروف قال: "إذا ضاعت روح ونص اتفاقية أنكوريج في التفاهمات الرئيسية التي وثقناها، فسيكون الوضع مختلفا كليا" (وأنكوريج هي مكان انعقاد الاجتماع الشهير بين ترامب و بوتين في آلاسكا في شهر أوت الماضي).
الأوروبيون يريدون مواصلة الحرب
اعتبرت الدوائر الغربية خطة الـ 28 بندا منحازة لروسيا، وتضمنت، وفق ما نشره موقع أوكسيوس الأميركي، تفاصيل خطة سلام طويلة الأمد، نذكر أهمها ما تعلق بتنازل أوكرانيا عن أراضٍ لروسيا كالاعتراف بشبه جزيرة القرم ومناطقهما لوغانسك ودونيتسك أراضٍ روسية فعليا، وتخليها عن طموحها بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" على أن يدرج ذلك في دستورها، ويوافق الناتو على تضمين بند في نظامه الأساسي ينص على عدم دمج أوكرانيا مستقبلا وعدم نشر قوات في أوكرانيا، وتلتحق بدلا من ذلك بالاتحاد الأوروبي، وتقليص أوكرانيا لجيشها إلى حدود 600 ألف جندي إضافة إلى ضمانات أمنية لكييف و إعادة إدماج روسيا في الاقتصاد العالمي وتفاصيل أخرى متعلقة بالسلاح النووي وإعادة الإعمار و غيرها..
خطة الـ28 بندا لترامب لا تنسجم مع توجهات الوجوه التقليدية للمؤسسة السياسية في واشنطن، الذين يدعمون تقديم المزيد من الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا لمواصلة الحرب حتى هزيمة روسيا، وقد تعالت أصوات في الكونغرس الأميركي تنتقد خطة ترامب. وفي نفس الوقت، سارع الحلفاء الأوروبيون، الذي يتبنون ذات النهج، أي مواصلة الحرب ضد روسيا، لنجدة كييف من خلال ادخال تعديلات على الخطة، التي قالت مصادر إنها تقلصت حتى صار عدد بنودها 19 فقط، بعد تعديلات أدخلتها كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
طبعا الأوروبيون لا يريدون إغضاب ترامب وفي نفس الوقت يرفضون تنازلات لموسكو يعتبرونها خطا أحمرا، غير أن التعديلات الأوروبية قد تدفع موسكو للقول لا، ونعود بالتالي إلى المربع الأول. وهذه معظلة جديدة تواجه خطة ترامب. الأوروبيون يريدون مواصلة المجهود الحربي لتحقيق هزيمة يرونها مسألة استراتيجية لروسيا ليس فقط لمستقبل أوكرانيا ولكن أساسا لمستقبل الأمن الأوربي، لكن يبقى ذلك مجرد أحلام متبخرة في ظل تخلي واشنطن عن هذا النهج.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز عن مجتبى رحمن، المدير الإداري لمجموعة "أوراسيا"، وهي شركة استشارات في المخاطر السياسية، قوله إن هدف الأوروبيين هو "توجيه ترامب ببطء للعودة إلى موقف أكثر ملاءمة للأوكرانيين والأوروبيين، وهذا هو الجهد المبذول في اجتماعات جنيف"، مضيفا بأن هذا الجهد كان ناجحا إلى حد كبير حتى الآن.
وفق تحليل نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الثلاثاء الماضي فإن ما "يدفع الأوروبيين أيضا هو الواقع على الأرض. فهم لا يزالون يعتمدون على الولايات المتحدة للحصول على المعدات المتطورة والذخائر اللازمة لمساعدة أوكرانيا في قتالها ضد روسيا. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لبناء صناعاتهم العسكرية الخاصة، فإنهم سيظلون بحاجة إلى المساعدة الأميركية لحماية بلدانهم لسنوات، إن لم يكن لعقود، قادمة."
ترامب: أوكرانيا تخسر الحرب وروسيا تكسب أراض
وألمح ترامب مرارا إلى أن الوقائع على الأرض ليست في صالح أوكرانيا ويستحيل أن تربح كييف الحرب. وفي تصريحات نقلها الإعلام مؤخرا أكد ترامب أن الجانب الروسي يقدم تنازلات لتسوية الأزمة الأوكرانية، فيما أكبر تنازل قد يقدمه هو "قبوله وقف القتال والكف عن اقتطاع المزيد من الأراضي". وأشار إلى أن النزاع يسير في اتجاه واحد وأن الأراضي "قد تصبح روسية في نهاية المطاف".
وحتى قبل وصوله إلى البيت الأبيض شدد ترامب على أنه لا يريد هذه الحرب. فقد أبدى غضبه لكلفة الحرب بالنسبة للأميركيين، بحيث صرفت واشنطن مئات المليارات من الدولارات لدعم المجهود الحربي لأوكرانيا، وواجه زيلينسكي بالحقائق على الأرض خلال اجتماع البيت الأبيض الشهير بقوله "الأوراق ليست في يدك"، وأكد أن واشنطن لن تستمر في تسليح كييف. وبعد توقيع الولايات المتحدة وأوكرانيا على اتفاق تاريخي في شهر ماي الماضي بشأن استغلال الموارد الطبيعية مع أوكرانيا، بعد مفاوضات شاقة، زادت أهمية استقرار المنطقة والسلام كأولوية لواشنطن على مواصلة الحرب.
هل نتفاءل بالتطورات الأخيرة؟ ربما لا. خلصت دراسة نشرت في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن (CSIS) في 30 سبتمبر الماضي، إلى أنه من غير المرجح أن تتوقف الحرب الروسية الأوكرانية قريبا. ومما جاء في الدراسة أنه على الرغم من الضغوط الاقتصادية والعسكرية-الصناعية والديموغرافية المتزايدة، لا تزال الحرب قابلة للاستمرار بالنسبة للكرملين في المستقبل المنظور، ولا تزال روسيا تعتقد أنها تكسب حرب الاستنزاف وأنها قادرة في النهاية على التفوق على أوكرانيا وإطالة أمد الصراع لصالحها.
الدراسة رجّحت أربعة سيناريوهات لمسار الحرب: أولا، اختراق روسي وانهيار الجيش الأوكراني، ثانيا، صراع طويل الأمد منخفض الحدة، ثالثا، التوصل لوقف إطلاق النار، ورابعا، التوصل لاتفاق سلام.
م. ب

