الجزائر اليوم هي ثالث بلد أفريقي بعد جزر موريس و جزر السيشل، حسب مؤشر التنمية البشرية التي تعده سنوياً الامم المتحدة و هي ثالث اقتصاد في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا و مصر، حسب ارقام صندوق النقد الدولي و البنك العالمي و ناتجها المحلي الاجمالي تجاوز 266 مليار دولار في 2024، دائما حسب بيانات المؤسسات المالية الدولية اما حجم المديونية الخارجية فيكاد يكون لا يذكر و هذا ما يضمن استقلالية القرارات السياسية و الاقتصادية.
لا بد ايضا من ذكر مكانة الجزائر كممون غازي مهم لدول جنوب اوروبا و قد ازدادت اهمية الجزائر بعد الحرب بين روسيا و أوكرانيا و قرار المعسكر الغربي فرض عقوبات و حظر على الغاز الروسي. باتت إيطاليا و اسبانيا و غيرهما من الدول الأوروبية التي تعتمد وبشكل أساسي على الغاز الجزائري و من المرجح ان تعرف صادرات هذه المادة ارتفاعا كبيرا عندما تستغل الجزائر احتياطاتها الضخمة من الغاز الصخري. و من المرتقب ايضا ان تبدأ الشركتن العملاقتان الأمريكيتان ايكسون موبايل ExxonMobil و شيفرون Chevron العمل في الجزائر بالشراكة مع سوناطراك.
الجزائر هي ايضا 12 مليون تلميذ في المدارس و حوالي 2 مليون في الجامعات و مليون في مراكز التكوين المهني من اصل 45 مليون نسمة. و الجزائر ثابتة لم تتراجع بالنسبة لقضية الطابع الاجتماعي للدولة، فالتعليم مجاني و الصحة مجانية و اسعار المواد الغذائية الأساسية مدعمة، و لم تتنازل الدولة عن دعم الفئات الهشة و الفقيرة حتى في عز ازمة الكوفيد العالمية بعد ان تراجعت المداخيل بسبب تهاوي أسعار النفط و الغاز في 2020 و 2021.
إذا نظرنا الى هذه الأرقام و هذه المؤشرات و المعطيات التي لا يوجد خلاف عليها لانها صادرة عن مؤسسات دولية، يمكن القول بان البلد قطع شوطا مقبولا جدا في طريق التنمية البشرية و الاجتماعية والاقتصادية و المالية و بانه يسير في منحنى تصاعدي و من المتوقع ان تقترب الجزائر من 400 مليار دولار كناتج محلي داخلي في 2026 حسب ما جاء في تصريحات مسؤولين في الدولة. و هذا بلا شك رقم كبير جدا يؤكد ان البلد في الاتجاه الصحيح.
المفارقة؟
رغم هذه المعطيات الايجابية لا تزال تسيطر "الانهزامية" و "السوداوية" على فئة تزعم انها تنتمي الى النخبة حيث اصبحت تنشر ليل نهار رسائل تثبط العزائم و تحطم المعنويات و لا ترى إلا نصف الكأس الفارغ و لا تنظر الى النصف المملوءة، لم تنجز الجزائر شيئا و كل الدول احسن منها و في كل المجالات، و بان النظام فاشل و بانه لا بديل و لا خلاص إلا بذهابه و لا حل إلا باستلامهم هم (فئة المهزومين من الداخل و المولعين بالخارج) مقاليد الحكم و حينها ستتحول الجزائر إلى جنة في غضون ايام! هذا هو قلب الموضوع بالنسبة لهؤلاء الفشلة الذين يحلمون بالوصول الى السلطة ليس عن طريق التصويت بل عن طريق التعيين مع كثير من الضبابية فيما يتعلق بمن يعينهم و مقابل ماذا و كيف. و الغريب انهم يزعمون العلم و المعرفة و يصفون كل من يمثل السلطة بالجهل، و رغم هذا العلم فانهم لا يعترفون بالبيانات و الارقام و الاحصاءات الصادرة عن المؤسسات الدولية التي تجمع على النتائج الطيبة التي تحققت في الجزائر! كيف لمن يدعي العلم ان لا يعترف بأرقام صندوق النقد الدولي و البنك الدولي و غيرهما من المؤسسات الاقتصادية و المالية المحترمة؟ اين الموضوعية و اين التجرد من حظ النفس و اين المصلحة العليا للوطن؟
من المستفيد؟
بكل تأكيد المستفيد الاول من "الانهزامية" و "السوداوية" و "القنوط" هو الخارج الذي يسعى الى اضعاف الجزائر حتى يضغط عليها و يتعامل معها بشروطه، اما المستفيد الثاني فهي الفئة الضالة التي لم تعد تفرق بين المصلحة الخاصة و العامة و العليا للوطن و صدق الله اذ يقول: ( إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها )
اما قضية انتقاد الحكومة في ادائها و انتقاد الوزراء و المسؤولين فهذا أمر مفروغ منه بل واجب إذا توفر الصدق و الموضوعية و الكفاءة، و إلا تحول الأمر الى سفسطة و كلام فارغ لا يقدم و لا يؤخر في النقاش العام بل يساهم في إفشاء الشحناء و البغضاء بين ابناء الوطن و هذا بكل تأكيد لا يخدم تقوية الجبهة الداخلية و لا يعزز اللحمة الوطنية.
احمد العلوي