د . محمد عبد الستار
بتاريخ 31 أكتوبر 2025 أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 2797 بخصوص قضية الصحراء الغربية، والمتعلق أساس بمشروع قدمته الولايات المتحدة ليكون "الحكم الذاتي للصحراء الغربية" هو الخيار الوحيد للحل.
غير أن القرار الذي صوتت لصالحه 11 دولة وامتنعت 3 دول (روسيا والصين وباكستان)، مع عدم مشاركة الجزائر في التصويت، جاء متناقضا من الناحية القانونية، ومنحازا من الناحية السياسية، وسوف يطيل عمر الواقع الراهن ولا يمكن حل الأزمة في أقرب وقت كما قالت أمريكا وكما نص القرار.
ثم إن القرار بشكله النهائي لم يمنح المغرب الصحراء الغربية، ولم يلغ حق الصحراويين في تقرير المصير، والأكثر من ذلك أنه وفر الأرضية الصلبة لفشله. اللهم إلا إذا قررت الولايات المتحدة اتخاذ موقف سياسي خارج الأمم المتحدة كما فعلت في عدة أماكن في العالم.
القرار يبدو متناقضا ومرتبكا ويصعب تنفيذه
أول ملاحظة يمكن تسجيلها حتى نفهم ولو نسبيا قرار مجلس الأمن، هي أن القرار صدر تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، القاضي بحل النزاعات بالطرق السلمية. وهذا يعني، حسب الخبراء، أنه ليس ملزما، بقدر ما هو توصية، لذلك دعا للتفاوض. وقد جاء القرار مليئا بتناقضات جوهرية ستزيد من توسيع الهوة بين الأطراف الأربعة خلال المفاوضات المرتقبة بالولايات المتحدة. (المغرب، البوليساريو، الجزائر وموريتانيا.)
أما أهم الملاحظات التي توضح ما نراه بهذا الخصوص، فهي:
1 -يؤكد مجلس الأمن على جميع قراراته السابقة، بمعنى يؤكد على حق تقرير المصير أي الاستفتاء بدون أن يذكر كلمة الاستفتاء. ويدعم المجلس بشكل كامل الأمين العام ومبعوثه الشخصي، ستيفان دي ميستورا، في تنفيذ قرارات المجلس أي بما فيها القرارات السابقة التي نصت على الاستفتاء، وأدخلت للمرة الأولى في القرار الأخير مسألة "الحكم الذاتي". أي جعل القرارات متناقضة.
2 -اعتبر المجلس في قراره الأخير الجزائر وموريتانيا طرفين في النزاع وكانتا في وقت سابق دولتين ملاحظتين. ما يعني أن المفاوضات القادمة يتعسر عليها الوصول إلى توافق، لاسيما مسألة الحكم الذاتي كخيار وحيد لحل الأزمة.
3 -يؤكد مجلس الأمن التزامه بمساعدة الطرفين على التوصل إلى "حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، قائم على التوافق، ويتماشى مع مبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك مبدأ تقرير المصير"، الذي يعني الاستفتاء. ونلاحظ هنا أن القرار استخدم عبارة " حل عادل ودائم ومقبول للطرفين" من جهة، ومن جهة أخرى "يتماشى الحل مع مبادئ الأمم المتحدة" وأهمها تصفية الاستعمار. وهذا تناقض من جهة، ولا يمكن التوافق إلا بحوار أو مفاوضات مفتوحة من جهة أخرى.
4 -بعد أن أشار قرار مجلس الأمن للدعم الذي أعربت عنه العديد من الدول الأعضاء لمقترح الحكم الذاتي المغربي المقدم في 11 أفريل 2007 إلى الأمين العام، أكد أن "الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية يمكن أن يشكل الحل الأكثر جدوى." وبدون أدنى شك، فإن كلمة "يمكن" تتناقض مع الجزم والتأكيد، وقد يخرج منها ألف شيطان.
5 -بعد أن أعرب مجلس الأمن عن دعمه للمفاوضات، استنادًا إلى مقترح الحكم الذاتي المغربي، أوضح أن الهدف هو "التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول لطرفي النزاع"، ورحب بأي اقتراحات بناءة من الطرفين استجابةً لمقترح الحكم الذاتي، وهذا تناقض آخر وتناقض جوهري، فهل يرحب مجلس الأمن مستقبلا بالاستفاء على الحكم الذاتي إذا كانت هذه الفكرة مثلا مقترحة من البوليساريو والجزائر وموريتانيا أم لا؟ وهل يوافق المغرب على الاستفتاء الذي رفضه منذ اقتراح الجنرال فرانكو عام 1973. رغم أن هذا الاقتراح يتم استجابة لمقترح الحكم الذاتي. فليكن الاستفتاء كما يلي: هل أنت مؤيد للحكم الذاتي؟ نعم أو لا؟ وإذا جاءت الإجابة بلا مثلا، فما تفسير ذلك؟ هل تعني الاستقلال مثلا؟ لذلك كنت قد شرحت في المقال السابق أن المغرب لن يقبل بالاستفتاء ولو على الحكم الذاتي.
6 -إن التمديد لبعثة الأمم المتحدة "المينورسو" لمدة سنة كاملة، يؤكد تناقض القرار، فالبعثة مهمتها منذ إنشائها عام 1991 تحت سلطة الأمم المتحدة تكمن في "تنظيم الاستفتاء"، فكيف نجمع إذن بين مهمة البعثة والعمل على فرض الحكم الذاتي؟ أليس هذا تناقضا صارخا؟
وبناء عليه يمكن القول إن قرار مجلس الأمن بخصوص الصحراء الغربية جاء مرتبكا ومتناقضا، ويعود هذا الارتباك إلى عدم توازنه من جهة، ومن جهة أخرى تراجع مجلس الأمن عن قراراته السابقة بإدخال مسألة الحكم الذاتي كمتغير جديد، وضغط الولايات المتحدة وفرنسا وحتى بريطانيا في الاتجاه الذي يخدم مصالحهم السياسية والاقتصادية والجيوسياسية.
القرار خطير للغاية من الناحية السياسية
شرحنا سابقا، بعض المآخذ القانونية على قرار مجلس الأمن، لكن الناحية السياسية تطغى على روح القرار، لذلك يمكن أن نشير إلى أن الولايات المتحدة فشلت في تمرير فكرة "الحكم الذاتي كأساس وحيد للحل والتفاوض"، ما يعني أن أصحاب الفيتو، وتحديدا روسيا والصين لم يسمحا بذلك.
ومع ذلك، فإن القرار يكون قد شرعن الاحتلال، فأصبح تحت غطاء مجلس الأمن نفسه. وكذلك أضفى مجرد "شرعية سطحية" لمبادرة الحكم الذاتي المغربية المقترحة عام 2007، رغم أن البوليساريو نشأت شهر ماي 1973 لمحاربة الاحتلال الإسباني، أي قبل الاحتلال المغربي، ثم واصلت محاربة "الاحتلال المغربي بعد 1975، ما يعني أن تقرير المصير ليس وليد الاحتلال المغربي فقط، فلو كانت الصحراء الغربية أرضا مغربية، فلماذا لم يحارب المغاربة الاحتلال الإسباني للصحراء، وذات القياس ينطبق على الجزائر بعدما شنت عليها المغرب هجوما عسكريا عام 1963 للمطالبة بمناطق غرب الجزائر.
أما مسألة تأكيد مجلس الأمن على "ضرورة التوصل إلى حل لهذا النزاع على وجه السرعة"، فهذا يؤكد الارتباك في القرار، إذ لدينا أمثلة حية عن المفاوضات بين المغرب والبوليساريو، فبعضها استغرق 7 سنوات وفي الولايات المتحدة نفسها بدون أن تسفر عن أي نتيجة، وهي مفاوضات هيوستن ومانهاست التي شرحتها في المقال السابق.
ولأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يعتقد أن المفاوضات ستكون عاجلة ومحسومة بالقوة لصالح الحكم الذاتي، وأنه يستطيع أن يعقد "مؤتمر سلام للحكم الذاتي" مثلما فعل بخصوص غزة، فقد اقترح أن يتم التمديد لبعثة المينورسو 3 أشهر فقط، قبل أن يقرر مجلس الأمن تجديد مهلتها لدة 12 شهرا.
ثم يكشف القرار أن الولايات المتحدة وفرنسا لعبتا الدور الأبرز في صياغة نصه بما يخدم مصالحهما في المنطقة، والصفقات المبرمة مع المغرب سياسيا واقتصاديا.
وأخطر ما في الأمر، أن القرار يتضمن انحيازا للمغرب، وتراجعا عن مبادئ الأمم المتحدة، وطعنة لحق تقرير المصير، ثم يحذر جبهة البوليساريو من اللجوء للعمل العسكري.
السيناريوهات المستقبلية:التصعيد العسكري وارد
بغض النظر عن كل ما سبق قوله، فإن قرار مجلس الأمن ينطوي على العديد من المخاطر تجاه المنطقة من خلال السيناريوهات المرتبطة بالمواقف منه.
1 – خلال هذه السنة سيواصل النظام المغربي تسويق الحكم الذاتي على أنه حل نهائي، وأنه حقق نصرا عظيما، من أجل تهدئة الأزمة الداخلية فقط. ولأن العاهل المغربي يدرك أن قرار مجلس الأمن هش، وأن المغرب لم يحقق شيئا كبيرا لحد الآن، دعا الجزائر إلى الحوار.
2 – ستواصل جبهة البوليساريو من جهتها التمسك بموقفها في تقرير المصير وربما ستصعد عسكريا لشعورها أن الشرعية الدولية لم تعد تنفع أمام تضارب المصالح.
3 – سوف تواصل الجزائر حشد التأييد لمبدئ تقرير المصير طبقا لمبادئ الأمم المتحدة.
4 – ربما تؤدي هكذا تناقضات الى مزيد من الانقسامات داخل الاتحاد الإفريقي.
5 – قد ينعكس قرار مجلس الأمن الأخير سلبا على الجمهورية العربية الصحراوية في حالة ما إذا تراجع عدد الدول المعترفة بها.
6 -يؤكد قرار مجلس الأمن "على أهمية احترام وقف إطلاق النار وتجنب أي عمل من شأنه أن يعرض العملية السياسية للخطر". والواضح أنه يقصد بالعملية السياسية "المفاوضات المرتقبة". وهذا قرار خطير، لأنه يهدد ضمنيا جبهة البوليساريو من العودة للعمل المسلح الذي عادت إليه أصلا عام 2020 ولو بطريقة محتشمة على خلفية خرق المغرب لوقف إطلاق النار في ذات السنة بعد اجتياحه لمعبر الكركرات.
وفي ظل رفض جبهة البوليساريو المشاركة في المفاوضات التي تتخذ الحكم الذاتي أرضية لها، يتولد السؤال التالي: ماذا يحدث لو نفذت البوليساريو عمليات عسكرية؟ ألا يعتبر ذلك خرقا لقرار مجلس الأمن؟ وماذا سيحصل نتيجة لذلك ألا يمكن أن تصنف الولايات المتحدة وحلفاؤها جبهة البوليساريو "جماعة إرهابية".؟ وماذا بخصوص الجزائر خاصة إذا اتهمت البوليساريو بشن هجمات بالانطلاق من الأراضي الجزائرية؟
7 – وبناء عليه لا يمكن استبعاد التصعيد في المنطقة، فهل منعت القرارات والضربات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية جماعة الحوثي وحركة حماس والجهاد الإسلامي من مواصلة العمل المسلح رغم تصنيفهما جماعات إرهابية؟
8 – وفي هكذا ظروف أيضا، لا يمكن استبعاد أن تتصرف الولايات المتحدة خارج قرارات مجلس الأمن وخارج الشرعية الدولية وتتدخل عسكريا لفرض السيادة المغربية على الصحراء، ومن المرجح أن تبدأ سريعا في إقامة ممثليات أو سفارات في الأراضي الصحراوية، مثلما فعلت عام 2003 في العراق عندما جلبت "عراقيي أمريكا" منهم "شلبيي" على ظهر الدبابة، وبعد أن أطاحت بنظام صدام حسين، نصبت "بول بريمر" حاكما على العراق.
9 – لا يمكن أن نستبعد أن تدخل المنطقة المغاربية في حالة من عدم الاستقرار بموجب تداعيات قرار مجلس الأمن الأخير.
10 – وبناء على هذه السيناريوهات والتناقضات التي ميزت القرار يمكن القول إن النزاع في الصحراء الغربية أخذ نفسا جديدا ليطول أكثر، ويستمر سباق التسلح في المنطقة، وتستمر المغرب في نهب ثروات الصحراء، وتستمر القوى العظمى في ابتزاز دول المنطقة واستنزاف ثوراتها وأموالها.
وفي المحصلة أرى أن مجلس الأمن بقراره هذا، لم يمنح الصحراء الغربية للمغرب على طبق من ذهب، بل هي "منحة مسمومة"، وبالمقابل لم يلغ حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره بل فتح المجال لإطالة عمر النزاع.

