الحراك الإخباري - علوم ما بعد الحداثة: المفاهيم والتداعيات
إعلان
إعلان

علوم ما بعد الحداثة: المفاهيم والتداعيات

منذ 4 سنوات|قراءة في كتاب

صدر حديثا عن دار الشروق الأردنية كتاب "علوم ما بعد الحداثة: المفاهيم والتداعيات" للدكتور نصر الدين السيد.
وينطلق الكتاب من فكرة أن النصف الثاني من القرن العشرين شهد ظهور مجموعة من المقاربات العلمية الجديدة التي عملت مجتمعة على تشكيل واقعنا المعاصر الذي يتميز بالتنوع الفائق لمكوناته والتشابك الكثيف بين كياناته وتسارع معدل تغير أحواله. هذا الواقع بتكنولوجياته المتنوعة بدءا من التليفونات الذكية وانتهاء بـالـ "روبوتات المستقلة"، وبمفاهيمه المستحدثة بدءا من "إدارة المعرفة" وانتهاءا بـ "الفوضى الخلاقة".

يتحدث الكتاب عن الأسس الجديدة في العقلانية التي بدأت تتشكل في البلدان المتقدمة، بالإضافة إلى العديد من الموضوعات التي لم تعرض من قبل باللغة العربية.

يرى المؤلف الحاصل على الدكتوراه في الفيزياء النووية النظرية أن تاريخ الفكر الإنساني شهد العديد من النقلات الفكرية التي انتقلت بالإنسان من منظومة ذهنية استبان عجزها وظهر قصورها لمنظومة أخرى أكثر فعالية. إلا أن أهم هذه النقلات وأبعدها أثرا وأكثرها تأثيرا حدثت في القرن السابع عشر بظهور منظومة العلم الحديث كمنظومة ذهنية تتيح للإنسان، بما تقدمه له من أدوات، فهما أفضل لما يدور حوله من أمور ومن ثم قدرة أعلى على التغيير.

ويقول السيد الذي عمل باحثا زائرا في جامعة ولاية متشيغان في أمريكا إن هذه المنظومة قامت على مبدأ مهم هو "بشرية المعرفة" الذي يؤكد على أن عقل الإنسان بكل عناصر قوته ونقاط ضعفه، هو المصدر الأوحد للمعرفة، معرفة الإنسان نفسه ومعرفته بالكون الذي يعيش فيه. وهكذا ينزع هذا المبدأ عن المعرفة صفة القدسية فيجعلها عرضة للتفنيد ويحررها من الجمود والثبات، فهي دوما خاضعة للمراجعة والتغيير المستمرين.

وتصبح هذه المنظومة كما بين المؤلف "العلم الحديث"، بما تتضمنه من معارف وما تحتكم إليه من معايير وما تتبناه من منهجيات، منظومة ديناميكية في حالة تطور مستدام. وقد شهدت هذه المنظومة في القرن العشرين عدة تحولات جوهرية مست ما ترتكز عليه من فروض أساسية، وكان لها تداعيات بعيدة الأثر.

ويعتبر السيد أن الإنسان عبر تاريخه الطويل لم يتوقف عن ابتكار وتطوير واستخدام العديد من المنظومات الذهنية بدء من الأساطير ومرورا بالدين وانتهاء بالعلم الحديث بشتى صوره. ويتوقف نجاح هذه المنظومات، والتمسك بها على أمرين : قدرتها على تقديم تفسيرات مقبولة لأحوال الإنسان وأحوال الواقع الذي يعيش فيه، وقبول ما تقدمه هذه الأدوات من تفسيرات من عدمه يرتبط ارتباطا وثيقا بقدر ومستوى المعرفة لدى الإنسان، قدرتها على تقديم حلول فعالة للمشاكل الذي يواجها الإنسان في حياته، ويدفع إخفاق المنظومة الذهنية، الإنسان لتطويرها أو حتى باستبدالها كلية بمنظومة جديدة أكثر فعالية.

جاء الكتاب في ثلاثة أقسام، وكل قسم يتفرع منها مجموعة من الفصول، يتحدث القسم الأول عن الملامح العامة لكل من مرحلتي الحداثة وما بعدها كأحدث مرحلتين من مراحل تطور المجتمع الإنساني، حيث يتضمن الفصل الأول وصفا تفصيليا للأسس التي قامت عليها علوم مجتمع الحداثة او منظومة العلم الحديث في صورته الأولى.

فيما تخصص القسم الثاني لعرض علوم ما بعد الحداثة ويشمل اكتشافات الإنسان في عالم المادة متمثلة في نظريتي النسبية والكم، وظواهر الانتظام الذاتي ومرورا بالرؤى العلمية متمثلة في المنظوماتية والسيبرنيطيقا والاوتوبويزس ونظرية التعقد وبتوجهات الفكرية مثل المنطق الغائم.

بينما يضم القسم آخر من الكتاب التداعيات أمثلة لاستخدام المفاهيم التي جاءت بها علوم ما بعد الحداثة في عدة مجالات. ولتعزيز الاستفادة من هذه المفاهيم ولتعظيم مردودها على المجتمع تم عرض الملامح الرئيسية لجبر جديد هو جبر الحداثة الذي يهدف إلى تمكين الإنسان عبر تحرير عقله من سيطرة الفكر اللاعقلاني، وتيسير قدرته على الفعل حتى يمكنه لعب الدور الرئيسي والمحوري في إدارة شوؤن دنياه. بالإضافة إلى بيان كيف تساعدنا السيبرنيطيقا على فهم إدارة المنظومة السياسية، وتلقي الضوء على ضرورة وجود التنوع في الأفكار وعلى أهمية الدور الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني.

تاريخ Aug 8, 2019