الحراك الإخباري - مقابر و اثار مهددة بجبال عمال
إعلان
إعلان

مقابر و اثار مهددة بجبال عمال

منذ 4 سنوات|روبرتاج

مقابر للشهداء وآثار رومانية وعثمانية ومغارات كلسية، وثروة غابية مهددة بالإندثار بجبال عمال بسبب أطماع "المحاجر"

يسيل لعاب شركات المحاجر من أجل استغلال مئات الهكتارات من الجبال الصخرية في أعلى بلدية عمال، وبالضبط بجبال جراح الواقعة بمحاذاة الطريق الوطني رقم خمسة،
أقصى جنوب ولاية بومرداس على الحدود مع البويرة،
من أجل تحويلها إلى محاجر، وقد أعطت مديرية الصناعة والمناجم بالتنسيق مع ولاية بومرداس موافقة مبدئية على الترخيص لمستثمرين خواص بالإستثمار في المنطقة، وتنقلت لجنة ولائية لدراسة مشروع تنقلت لجنة ولائية إلى جبال جراح وعين السلطان، لتفقد هذه المواقع، تمهيدا لمنحها لأحد الخواص، ويتعلق الأمر بشركة " سارل الوطنية"، حيث تم اقترح ثلاثة مواقع، بمنطقة جراح لتحويلها إلى محاجر، دوكان 1، دوكان 2، وعين السلطان، على أن تختار اللجنة مكان واحدا من الأماكن الثلاث المقترحة، لتحويله إلى محجرة.
غير سكان عمال، وخاصة سكان القرى والمداشر، يرفضون رفضا قاطعا منح رخصة استغلال لأي كان، من أجل استنزاف الثروة الطبيعية للمنطقة وتدميرها، ويطالبون بمشاريع سياحية وتنموية، باعتبار أن المنطقة تملك مقومات كبيرة للإستثمار لا يمكن حصرها في المحاجر فقط، سيما وان المنطقة تغطيها غابات عذراء خلابة، وجبال صخرية، وثروة غابية، ومناطق فلاحية بامتياز، لا شك في أن تحويلها إلى محاجر يعتبر كارثة حقيقية بكل المقاييس.
وتقع هذه المنطقة الجبلية تقع أقصى جنوب ولاية بومرداس، بين جبل بوزڨزة الشامخ غربا، واد يسر شرقا وحدود بلديتي بودربالة والأخضرية التابعتين لولاية البويرة، وكانت إحدى قلاع ثورة التحرير المباركة، ومحورا هاما يربط الولايتين التاريخيتين الثالثة والرابعة، وكانت معقلا من معاقل الثوار،
وقد عثر بها على العديد من المقابر الجماعية لشهداء ثورة التحرير، والتي لا تزال إلى يومنا هذا، فكل مكان أو مغارة فيها، تحوي رفاة شهداء وتحكي قصة كفاح ضد العدو، مثلما هو الحال بالنسبة لمنطقة الدوكان 2، وهي في الأصل المكان المسمى "ثيجيجقة" بأعالي ليغورج، والتي توجد عدة مغارات في قلب جبالها الصخرة، تم إستكشافهما صدفة من طرف السكان، وعثروا فيها على رفاة للشهداء، ورغم المراسلات العديدة والمتجددة التي وجهت إلى مديرية المجاهدين بولاية بومرداس لنقل هذه الرفاة وحمايتها، إلا أنها لم تتدخل إلى غاية الآن.
وإلى يومنا هذا، لم يتم نقل رفاتهم، ولا التعرف عليهم
 إضافة إلى العديد من القبور لشهداء قام السكان المحليين للمنطقة قديما، بدفنهم في الجبال، دون أن يتعرفوا عليهم.
ومن المعروف والموثق تاريخيا أن منطقة جراح شهدت خلال الثورة التحريرية ما كمين باليسطرو الشهير، باعتبار أن مدينة باليسطرو التي تعرف حاليا بالأخضرية كانت تمتد خلال تلك المرحلة إلى غاية جبال عمال والأربعطاش، وقد قتل في الكمين 17 جنديا فرنسيا، وتم أسر 4 جنود، وهي العملية التي حدثت يوم الجمعة ال 18 ماي 1956، بقيادة الشهيد البطل الكومندو علي خوجة أنذاك.
كما تعتبر جراح من بين المناطق التي اقترحت لاحتضان مؤتر الصومام، ويذكر قدماء سكانها المحليين بأن المجاهدين أقاموا بها مستشفى، غير أنه، ونظرا للإهمال ولامبالاة بتاريخ المنطقة، لا يعرف مكانه لحد اليوم.
سكان منطقة جراح، متجندون لإيقاف المشروع، الذي اعتبروه مدمرا لأراضي أجدادهم، خاصة وأن المنطقة عرفت نشاط محجرتين سابقا دمرتا جزءا من المنطقة، قبل أن تتوقفا عن النشاط خلال العشرية السوداء، بلا رجعة.
ويرفض السكان المحليين رفضا قاطعا تحويل هذه المناطق إلى محاجر، خشية أن يكون مصيرها مثل مصير
جبل بوزقزة ببلدية قدارة والذي دمرته المحاجر، وأدت إلى تآكل غاباته، وتدمير مغارات تضم آثارا تعود لآلاف السنين، وأدت إلى تلوث المنطقة، بسبب الغبار والهزات الإرتدادية التي تسببت في تشقق كل المنازل، ناهيك عن معاناة سكان قدارة والقرى المجاورة من أمراض الحساسية والربو ومختلف الأمراض التنفسية، يضاف إلى ذلك الإزعاج الذي تسببه آلاف شاحنات الوزن الثقيل التي تمر عبر المنطقة.
وحسب المعلومات الأولية لم يتم بعد الفصل في الملف،
ولهذه الأسباب أبدت جمعية ثافروات لحماية البيئة ببلدية عمال رفضها القاطع للمشروع لأن موضوع المحاجر سيمس حتى الأجيال القادمة، معتبرة أن إنشاء محاجر في جبال عمال يعد جريمة في حق تلك الطبيعة العذراء، نظرا لما لطبيعتها الجبلية الخلابة والغطاء النباتي المهم الذي يغطيها، والذي يؤهلها لتكون منطقة سياحية بامتياز.
وقد رفض المجلس الشعبي البلدي لبلدية عمال بدوره المشروع نهائيا، وقام بتبليغ رفضه للسلطات المحلية، لكن الكلمة الأخيرة تعود للولاية.
كما أن المنطقة غنية بالآثار
التي تحتاج للدراسة. والمحافظة عليها، وهي كنوز أثرية قد تندثر إلى الأبد، إذا تم إنجاز مشروع المحجرة.
 ورغم أن ولاية بومرداس اختيرت لتكون قطبا سياحيا،
إلا أن اللجنة اختارت منطقة جراح ببلدية عمال، لتجسيد المشروع، وبالضبط منطقة عين السلطان، التي يراد تحويل حوالي 4 هكتار منها لمحجرة، رغم أنها تحتوي على آثار رومانية وعثمانية، وبقايا أثرية قديمة، في طريق الزوال، بسبب الإهمال الذي طالها، من بينها طريق قديم، مُعبَّد بالحجارة يسمى "طريق ثَامْسَمَّرْثْ" وهي طريق مهملة، تشق الغابة والأحراش، يقال بأنها طريق رومانية تربط بين تيبازة غربا مرورا بعمال وصولا إلى جميلة بسطيف تنتهي بتيمقاد بباتنة، وفي منتصف الطريق يوجد نبع للماء العذب يسمى "عين الأغا" او "ثالا اللاغا"، وبقايا حوض مبني بالأحجار أسفل النبع، بالإضافة إلى مكان واسع ورحب، يبدو أنه كان مكان استراحة موكب الآغا، وغير بعيد عنه، على بعد حوالي كيلو مترين او توجد عين اخرى تسمى بعين السلطان، أين كان موكب السلطان يستريح، وربما يقضي الليل هناك، وقد تم استكشاف الأجزاء الظاهرة فقط من الطريق والتي تربط بين قرية بحارة ببلدية قدارة، وقرية جراح ببلدية عمال وقرية اولاد بلَّلمو.. ويسود الإعتقاد بأن الطريق بني في عهد الرومان واستعمله الأتراك فيما بعد، انطلاقا من أن الجزائر لم يكن يحكمها السلطان في عهد الأتراك بل الآغا، أما السلطان فعُرف في عهد الرومان.. لكن للأسف لم يهتم أحد بها، رغم المراسلات التي تم توجيهها للسلطات.
الأكيد أن الطريق أثرية وقديمة جدا، والمطلوب من أهل الإختصاص في الأثار ومديرية الثقافة إثبات تاريخها وتوثيقها وحفظها من الإندثار.
ومن بين الآثار العجيبة التي تم العثور عليها في المنطقة أيضا، مكان يسمى "إفري نزيري" أو "غار زيري"، في أعلى سفح الجبل، يرتفع بحوالي 750 متر فوق سطح البحر، ويحتوي على مغارات رائعة، تحوي كنوزا أثرية عديدة من شأنها أن تصبح قبلة للسياح وهواة الرياضة الجبلية والمغامرة، خاصة وأن المنطقة تقع على بعد كيلومترات فقط شمال الطريق السيار شرق غرب، على السفح الشرقي لجبل بوزڨزة الشامخ، حيث تم العثور هناك على ومغارات كلسية، لم تلقى أي إهتمام من السلطات، والعديد من الأحجار الأثرية المنحوتة، مهملة، ومتناثرة في الجبال، يعتقد أنها تعود للفترة الرومانية، وكانت تستعمل في تزيين القصور، خاصة قرب المكان المسمى "ثيدوث" في سفح الجبل فوق قريتي تلموت وايث عبد الهادي.
ويطالب مثقفو المنطقة نريد بلجنة ولائية لتوثيق هذه الآثار .
وفي الجهة المقابلة لجبال جراح، يوجد حمام ثلاث، منطقة أثرية بأتم معنى الكلمة سكنها الأتراك قديما، وتركو هناك حماما معدنيا، اشتهر بمياهه الساخنة، وكان الناس يقصدونه من كل صوب وحدب، خاصة وأنه كان مجاني للجميع، ولكن الحمام الآن في حالة يرثى، بعد أن اختفت قرية ثلاث من الوجود بعد أن عاث الإرهاب فساد في المنطقة، فرَحَلَ من رَحَلْ وهَرَبَ من هرب، ورُحِلَ من رُحِلَ، من سكان القرية، وتعرض الحمام للإهمال، ولم يخضع لأي أعمال تجديد أو صيانة منذ عشرات السنوات، رغم أنه مصنف كمنطقة توسع سياحي، ويقع في نطاق بلدية عمال، ويعتبر الحمام الطبيعي الوحيد في ولاية بومرداس.
لكن، وفي الوقت الذي كان سكان المنطقة ينتظرون التفاتة من السلطات، لهذه المداشر التي تعاني التهميش وانعدام التنمية وغياب المرافق الحيوية، لاستغلال ثروتها الطبيعية، وجعلها قبلة سياحية ومتحفا مفتوحا على الزوار، أو إنشاء مراكز للراحة والسياحة الجبلية بمناطق "جراح" أو "ثلاث" وما جاورها، أو تصنيفيها كمحمية وطنية نظرا للثروة الطبيعية والأثرية التي تحتوي عليها، تفاجأ السكان بمشروع تحويلها لمحاجر.

جميلة بلقاسم

تاريخ Aug 31, 2019