الحراك الإخباري - زاوية سيدي الشيخ....أطول مقاومة قبليّة ضد فرنسا في الجزائر
إعلان
إعلان

زاوية سيدي الشيخ....أطول مقاومة قبليّة ضد فرنسا في الجزائر

منذ 3 سنوات|روبرتاج

في رحلتنا التاريخية الروحية مع زوايا التصوف السني الجهادي في الجزائر، نقف اليوم على قمّة قلعة جنوبيّة هي الزاوية الشيخية بمنطقة سيدي الشيخ في ولاية البيض، تلك المنارة التي عرفت إشعاعا روحيا في فترات من الزمن، وكانت مقصد طلاب الروحانيات والتربية الذوقية، وقد تخرج على يد مؤسسها عبد القادر بن محمد السماحي شيوخ كثر، نشروا طريقته الذوقية والصوفية في المناطق الصحراوية على الحدود المغربية الجزائرية.

تصدرت الزاوية في عهد مؤسسها كزاوية لتربية والسلوك، وتوافد عليه طلاب المعرفة والتربية الصوفية، وانتشر صيته، حيث اتسع الإشعاع الصوفي للشيخ السماحي بين القبائل البعيدة والقريبة إلى أن توفي سنة 1616م، فتولى أمر زاويته أحد أبناءه الأحد عشر، وتفرق بعض أبناءه في المناطق القريبة والبعيدة وكوّنوا زوايا منها من لا تزال قائمة إلى الآن.

وبعد قرن من وفاة مؤسس الطريقة اختلف زعماء الجيل الثالث من أحفاده حول تسيير الزاوية، وبعد خلافات مريرة توصلوا إلى حل تم بموجبه تقسيم الزاوية الأم إلى زاوية شرقية وغربية.

مؤسس الزاوية الشيخية قبل تقسيمها

هو عبد القادر بن محمد بن سليمان بن أبي سماحة (ولد سنة 1544م / 951 هـ) ويُعرف اختصارا بـ"سيدي الشيخ"، هو فقيه وأديب مغاربي ومؤسس الزاوية التربوية التعليمية، المنتشرة في المناطق الجنوبية الغربية من الجزائر وفي المناطق الشرقية من المغرب.

بعد وفاة الشيخ عبد القادر بن محمد السماحي تولى أمر الزاوية الشيخية بوصية منه ابنه الحاج أبو حفص، وبعد وفاة هذا الأخير تولاها بوصية منه أخوه الحاج عبد الحكم ثم ابنه أبو حفص الحاج الحفيد، وبعده ابن عمه الشيخ ابن الدين.

وبعد وفاة "الشيخ ابن الدين" تنازع الأحفاد في القبيلة أمر الزاوية الشيخية، فاهتدوا إلى حل وسط في آخر المطاف، وذلك باقتسامها بين فخذ أولاد أبي حفص الحاج، وفخذ أولاد ابن الدين، وهكذا أصبحت منذ ذلك الحين منقسمة بين زاوية الشيخية الغربية المتواجدة على التراب المغربي، والزاوية الشيخية الشرقية المتواجدة على التراب الجزائري، فصارت لكل زاوية شيوخها ومريدوها.

وفي سنة 1875 م، أسس الشيخ بوعمامة زاوية ثالثة، ومنذ ذلك الحين أصبحت للزاوية الشيخية ثلاثة فروع، حيث تنتمي زاويته إلى الطريقة الطيبية التي حلت من المغرب الأقصى، وعن طريق الحدود وصلت إلى الغرب الجزائري، حيث انتشرت انتشارا واسعا، هذا لم يمنعه من التأثر بالطريقة السنوسية، كذلك نظراً للقرابة التي كانت بينها وبين أولاد سيدي الشيخ.

استطاع الشيخ بوعمامة بعد تأسيس زاوية جديدة خاصة، كفرع عن الزاوية الشيخية في منطقة المقرار التحتاني، مما زاد في شعبيته مقاومته للاحتلال وأكثر مريديه في العديد من المناطق الصحراوية.

 المدَينَة والزّاوية

مدينة "الأبيض سيدي الشيخ" حيث تقع الزاوية الشيخية، هي أهم وأقدم مدن الجنوب الغربي للجزائر تاريخا وحضارة، تأسست بعد وفاة الأب الروحي لأولاد سيدي الشيخ في بداية القرن العاشر، وهذا لا يعني أنها نشأت في هذا العهد فقط، بل كانت قبل هذا تتوفر على مصلى وبئر أسسه سيدي سليمان بن بوسماحة حوالي منتصف القرن التاسع، بحيث أصبح كل من البئر والمصلى مقر لقاء تجار الجنوب وتجار الشمال للتبادل التجاري بين سكان أتوات وسكان مدن التل، كما بدأ بعض مواطني أتوات وغيرها من التمركز في السهل للعمل في المجال الفلاحي، فنشأ هناك أول قصر (وهو تجمع سكني جماعي) كقصر أولاد بودواية وأولاد سيد الحاج بن الشيخ، على الضفة الغربية من السهل.

وما أن مات سيدي الشيخ سنة 940 هـ 1616 م، حتى أصبحت القصور تشيد على شكل حصون متوزعة على أربعة (القصر الغربي ـ قصر أولاد سيد الحاج بحوص ـ قصر الرحامنة وقصر أولاد سيد الحاج أحمد) وتمركز أولاد ومحبي ومجدوبي ومريدي الطريقة الشيخية بالأبيض سيدي الشيخ بها، ومن لم يستقر أصبح ملزما بالقدوم سنويا إلى الأبيض سيدي الشيخ لإقامة ركب سيدي الشيخ.

 في عهد الاستعمار الفرنسي

عندما سيطرت قوات الاحتلال الفرنسي على شمال الجزائر وصلت جحافلها جنوبا إلى منطقة أولاد "سيدي الشيخ" تصدى لها هؤلاء في أطول مقاومة قامت بها قبيلة من قبائل الجزائر والمغرب عرفت بثورة أولاد سيدي الشيخ.

بعد احتلال الجنوب الغربي للجزائر من طرف القوات الفرنسية، كانت عين بني مطهر تمثل القاعدة الخلفية للمقاومين من أولاد سيدي الشيخ الغرابة، بزعامة سيدي الشيخ بن الطيب سنة 1849م، وشارك سكانها من بني مطهر والمهاية في هذه المقاومة منذ انطلاقها ومعلوم أن معاهدة لالة مغنية الموقعة بين فرنسا والمغرب في 18 مارس 1845م، قسمت قبيلة أولاد سيدي الشيخ إلى فرقتين : أولاد سيدي الشيخ "الشراقة" أو الشرقيين وأصبحوا بموجب الاتفاقية جزائريين، و أولاد سيدي الشيخ "الغرابة" أو الغربيين وأصبحوا بموجب نفس المعاهدة مغاربة

و كرست المعاهدة انقساما سابقا كان بين الفريقين جراء خلافهما حول زعامة القبيلة، وصراعهما حول تسيير زاوية جدهما الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد السماحي المتوفى سنة 1616م.

بعد صدور معاهدة لالة مغنية الموقعة بين المغرب وفرنسا، لاحظ سيدي الشيخ بن الطيب البوشيخي البكري زعيم أولاد سيدي الشيخ "الغرابة" الحيف الذي ألحقه الفرنسيون بقبيلة أولاد سيدي الشيخ عموما و"الغرابة" خصوصا، حيث اقتطعت سلطات الاحتلال منهم أراضيهم وقراهم ومجال تنقلاتهم الرعوية، وأرغمتهم على النزوح، والهجرة القسرية.

 ثورة الشيخ بوعمامة بن العربي

انطلقت ثورة الشيخ بوعمامة بعد مقتل الضابط ويمبريمر في 22 أفريل 1881م، وانطلق الجيش الفرنسي بقيادة العقيد إينوسونتي للانتقام لمقتل الضابط المذكور فكانت معركة تازينة (مولاق) في 19 ماي 1881م وهي المعركة التي استعد لها الشيخ بوعمامة وانتصر فيها رغم خسائر أولاد سيدي الشيخ التي فاقت خسائر الجانب الفرنسي إلا أنها كانت انتصارا أعاد مقاومة أولاد سيدي الشيخ إلى واجهة الأحداث بعد أن ظن الفرنسيون أنهم قضوا على ثورة أولاد سيدي الشيخ الغرابة بدفعهم إلى المغرب وإغراء السلطات المغربية بهم وبعدما قضوا على ثورة أولاد سيدي الشيخ الشراقة.

دامت ثورة الشيخ بوعمامة ثماني وعشرين سنة شملت 12 معركة و22 اشتباكا وسببت حرجا كبيرا للسلطات الفرنسية على أعلى مستوياتها إلى أن اضطرت لتجنيد جيش أكبر بقيادة الجنرال ليوطي الذي دفعت قواته أولاد سيدي الشيخ بقيادة الشيخ بوعمامة إلى اللجوء إلى المغرب سنة 1903م ووفاته سنة 1908م وكان آخر قائد لثورات أولاد سيدي الشيخ الثلاث.

وبعد وفاته أخذ مشعل المقاومة ابنه البكر الحاج العربي بن الشيخ، الذي ما لبث أن استشهد مع أخيه سليمان بن الشيخ في معركة "عقلة السدرة" التي نشبت بين أولاد سيدي الشيخ "الغرابة" و" الشراقة " في 8/8/1871م، والتي خطط لها الاحتلال الفرنسي للإيقاع بين الفريقين، وتسهيل القضاء - في النهاية -عليهما جميعا.

و تزعم ابنه الثالث " معمر بن الشيخ " قبيلة أولاد سيـدي الشيخ " الغرابة "، وأقره السلطان مولاي الحسن الأول ملك المملكة المغربية على زعامة هذه القبيلة، إلا أن سلطات الاحتلال نغصت صفو العلاقة بينهما، فقلب السلطان ظهر المجن لأولاد سيدي الشيخ "الغرابة"، وتنكر لهم خصوصا بعد استشهاد معمر بن الشيخ السابق الذكر في معركة " نفيش" ضد القوات الفرنسية وأتباعها في 13/6/1874م.

وبعد استشهاد معمر بن الشيخ، تولى زعامة قبيلة أولاد سيدي الشيخ "الغرابة" سليمان بن قدور البوشيخي البكري ابن أخ الشيخ بن الطيب وبعد تعرض سليمان بن قدور المذكور للاغتيال تزعم القبيلة بعده علال بن الشيخ بن الطيب (و هو الابن الرابع لسيدي الشيخ بن الطيب)، ورغم استماتتهم في المقاومة وتضحياتهم الجسام في سبيل الدفاع عن حوزة الوطن، فإن سلطات الاحتلال الفرنسية لم تدخر وسعا في السعي لبث الخلاف بينهم وبين سلطان المغرب، وأوغر العُمَلاءُ المدسوسون في دوائر المخزن صدره عليهم، فصُنفوا في خانة المخربين وأهل الفتن، وتعرضوا بذلك للسجون والتنكيل والتهجير، وبانتهاء مقاومتهم وجد الاحتلال الفرنسي الطريق معبدة أمامه لاحتلال المغرب ابتداء من 1904م. و بناء على ما سبق ذكره، فإن سيدي الشيخ بن الطيب كان مفجر ثورة أولاد سيدي الشيخ التي دامت خمسة عقود من 1845م إلى 1903م.

وبعد عشرين سنة على انطلاق ثورة سيدي الشيخ بن الطيب اندلعت ثورة أولاد سيدي الشيخ "الشراقة" بزعامة سيدي سليمان بن حمزة في 8/4/1864م ثم بعد ست وثلاثين سنة انطلقت ثورة بوعمامة في 1881م، لتكمل المسيرة التي بدأها سيدي الشيخ بن الطيب.

 في الوقت الراهن

كل عام والمجتمعات البدوية الصوفية في الغرب الجزائري في محيط مدينة الأبيض سيدي الشيخ، تقوم بتجمعات على شاكلة زيارة إلى الزاوية الشيخية، التي تقع في مدينة الأبيض سيدي الشيخ.

وتبدأ الاحتفالات في الخميس الأخير من شهر جوان، لمدة ثلاثة أيام في ذكرى تأسيس الزاوية، حيث تجدد العلاقات وأواصر المؤاخات بين الناس من سكان المنطقة، ويضمن السلام والاستقرار بينهم.

وقد ساهم ذلك أيضا في الحفاظ على تراث ونمو التصوف، وساعد على تعزيز القيم المجتمعية الحميدة مثل الضيافة والعادات الجماعية، ويتم تلاوة القرآن الكريم، احتفالات محلية. وتشمل مبارزة الفروسية، والرقصات والمسابقات الفروسية التي تضم أكثر من 300 متسابقا من مختلف الطوائف. وتعميق علم المعرفة الروحية ونقلها بين الموريدين. وقد عرفت هذه الزاوية إشعاعا روحيا في فترات من الزمن، وكانت مقصد طلاب الروحانيات والتربية الذوقية، وتسعى بطريقة ما إلى المحافظة على التراث القديم وتعزيز القيم المجتمعية مثل حسن الضيافة والممارسات الجماعية كالتسابيح، وتلاوة القرآن الكريم، والأغاني والرقصات التقليدية والفلكلورية ولا سيما المبارزات ومسابقات الفروسية.

تم تصنبف العادات الصوفية المتعلقة بالزاوية الشيخية ضمن قائمة "روائع التراث الشفهي اللامادي للإنسانية" في الجزائر بعد تقديم الملف من طرف الجزائر ودراسته ثم المصادقة عليه من طرف لجنة منظمة اليونسكو للتراث العالمي سنة 2008.
ق/و

تاريخ Nov 23, 2020