الحراك الإخباري - هكذا تحول"الغزالي" إلى بائع أحذية و هزمت البيتزا مالك بن نبي
إعلان
إعلان

هكذا تحول"الغزالي" إلى بائع أحذية و هزمت البيتزا مالك بن نبي

منذ 4 سنوات|روبرتاج


إلى وقت قريب لم تكن المكتبة فقط فضاء يحتضن أو يقدم الثقافة والفعل الإبداعي، لكنها كانت أيضا بيتا كبير يضم السياسيين ويصقلهم، فالثقافة والنضال السياسي في الزمن الجميل كانا وجهين لعملة واحدة هي "إنتاج النخبة" التي أنجبت تيارات إيديولوجية في زمن الأحادية وأحزابا في عهد التعددية، قبل أن ينقلب سلم القيم وينتقل مركز صناعة النخب من المكتبات إلى المقاهي و المطاعم .
ما زالت واجهة العاصمة تحتفظ بتاريخ بعض المكتبات التي كان لها دور في حياة البلاد سياسيا و ثقافيا بعضها مازال يقاوم و البعض الآخر تحول إلى مجرد ذكرى.
تثمل مكتبة الاجتهاد واحدة من أهم مكتبات العاصمة ارتبط تاريخها بجزء من ذاكرة البلد و تحديدا بالتيار الاشتراكي ،حيث كان الشارع الذي تقع فيه يقلب " بشارع النقابيين" حين كانت تزدحم فيه النقابات والاتحادات الطلابية بدءا باتحاد الطلبة الجزائريين ووصولا إلى اتحاد عمال الميناء.
كانت في السابق تسمي مكتبة " دومينيك" قبل أن تحمل اسم" الاجتهاد بعد الاستقلال" . في أروقة المكتبة نجد صور رشيد ميموني ورشيد بوجدرة والصادق عيسات تقف شاهدة على تاريخ المكتبة الذي هو جزء من التاريخ الثقافي لهذا البلد، حملت لفترة اسم شركة الجزائر لتوزيع الكتاب والصحافة، حيث اختار مجموعة من مناضلي "الباكس" والثوريين، على غرار هنري علاق، غداة استقلال الجزائر وبالضبط في1963، شراءها من صاحبتها المعمرة "دومينيك"، وكانت المكتبة حينها تابعة لفرع مجمع "هاشات" بالجزائر، وكانت تقع بمحاذاة منشورات "شارلوا"، دار النشر التي كانت تصدر أعمال ألبير كامو، وهي نفسها الدار التي نشرت الأعمال الأولى لكاتب ياسين ومولود فرعون وامحمد ديب وغيرهم، قبل أن تتحول إلى مكتبة " ألجيري ريبوبليكان " التي أعيد إطلاقها في جويلية 1962بعد أن كانت جريدة ممنوعة إبان الثورة.
وفي هذه المكتبة كانت توزع الجريدة التي حملت الفكر اليساري الثوري للنخبة الجزائرية حديثة الولادة والحالمة بجزائر واعدة، هكذا كان يفكر بوعلام خالفة وبن زين في زمن كانت فيه الثقافة فعلا نبيلا ينسج رويدا رويدا.
يقول مسير المكتبة: "لو أنني أردت ممارسة التجارة لأغلقت المكتبة منذ زمن بعيد، لأن الكتاب اليوم لم يعد تجارة رائجة، كما كان عليه الأمر في سنوات الستينيات والسبعينيات، حين كانت المكتبة تعرف بفضاء لاجتماع الطلبة والنخبة الجامعية التي تأتي بحثا عن الكتاب المتخصص في العلوم الإنسانية وفي التاريخ والأدب وعلوم الاجتماع وغيرها"، قبل أن يضيف: "من هنا خرج الفكر الاشتراكي الجزائري وترعرع، وهنا كان الثوريون يجتمعون.. من هنا مر "الباكس" و"الأفافاس"، و هنا أخفى عالم الاجتماع الكبير بيار بورديو مسودة كتابه "لوبييزون آلجيريان" خوفا من انتقام المنظمة السرية الفرنسية التي كانت تصفي كل من ينادي باستقلال الجزائر، ما تزال هذه المكتبة إلى اليوم تحتفظ ببصمات زمن مضى من خلال الوجوه التي تزورها بحثا عن الكتب وعن الذكريات وعن الحكايات التي يرويها هذا المكان المقاوم للفراغ والانهيار الفظيع للقيم "
" النهضة" مكتبة اختفت تماما من خارطة شوارع العاصمة كانت تقع في شارع باب عزون، الرابط بين ساحتي بور سعيد والشهداء، تعد أقدم مكتبة في العاصمة، أسسها رجلان مثقفان هما كشرود وميموني عام1947، و سميت "النهضة" لأنها المكتبة التي احتضنت حينها كبار مناضلي الحركة الوطنية ومثقفيها أمثال المفكر مالك بن نبي الذي احتضنت المكتبة أفكاره وإنتاجه وسعت إلى تسويقها للوسط الثقافي والسياسي
مر أيضا بهذه المكتبة ألبير كامو وهنري علاق المناضل الفرنسي الذي كان من أكبر المدافعين عن القضية الجزائرية، ومنها خرج بعض الفكر الوطني، وساهمت في جمع شمل مناضلي الحركة الوطنية قبل أن يحصل للمكتبة ما حصل للفضاءات الثقافية الأخرى، فاندثرت نهائيا من خارطة المدينة، وهو نفس المصير الذي شهدته مكتبة رحاب المشهورة بالرزنامة والكتب البيداغوجية الموجهة لتعليم الكبار، وهي المكتبة نفسها التي اشتهرت في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي باستقطاب قيادات ومتعاطفي الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، قبل أن تختفي هي الأخرى متأثرة بالظروف الصعبة التي عرفتها المكتبات الأخرى في العشرية السوداء.
في ذاكرة العاصمة نجد أيضا " مكتبة الشركة الجزائرية بوداود، "و هي من الفضاءات الثقافية القليلة التي حافظت على طابعها الأصيل، لا تبعد إلا بأمتار عن مبنى المسرح الوطني الجزائري، والتي تأسست ستة أشهر فقط بعد استقلال الجزائر بفضل رجلين مثقفين هما الحاج عبد القادر بوداود، خريج جامع الأزهر، وصديقه الحاج مرازقة، خريج جامع الزيتونة
تأسست المكتبة في1963وكانت أول مكتبة أدخلت الكتاب المعرب للجزائر في وقت كانت فيه الغلبة والسيادة للغة الفرنسية.
ويروي ابن الحاج عبد القادر، المسير الحالي للمكتبة، كيف أن والده عبد القادر، المناضل في الحركة الوطنية، ألقي عليه القبض في1947 ونفي إلى مفتاح بعد عودته من الأزهر قبل أن يطلق صراحه في1957، ليلتحق بالثورة ويبقى في صفوفها إلى غاية الاستقلال.
ويروي الابن كيف أن هذا المكان كان ملتقىً لقادة الثورة والثوار والمناضلين وكبار الشخصيات من المشرق التي عبرت الجزائر أمثال طه حسين والأمير سعيد، وهي الشخصيات التي بقيت على علاقة مع والده الراحل بحكم مروره من الأزهر الشريف.
ويتذكر الابن مثلا وهو صغير عشرات الشخصيات التي تكونت وتثقفت بالاعتماد على هذه المكتبة، التي كانت أشبه بالنادي الثقافي وحلقة النقاش للثوريين بعد الاستقلال "لأنها مكتبة أخذت على عاتقها نشر الفكر والثقافة والكتاب العربي، فمر منها أصغر أحفاد الأمير عبد القادر، الأمير سعيد، الذي كان يجلس على كرسي ما يزال إلى اليوم منصوبا في ركن المكتبة، ومن هنا مرت أيضا شخصيات كبيرة ولها وزنها في المشهد الجزائري منها أبو عبد الله عبد اللي وبن بلة وبن يوسف بن خده ومحمد الغزالي والشيخ يوسف القرضاوي وعبد الحفيظ أمقران والدكتور شيبان وأنيسة بومدين.. ..
مكتبة النجمة الذهبية لصاحبها مولود مشكور لا يوجد من لا يعرفها بالعاصمة هي أقدم مكتبة بالعاصمة تنازلت عنها الفرنسية التي تركت الجزائر بعد الاستقلال و بقيت هذه المكتبة غالى اليوم ومنذ أزيد من ستين عاما تفتح أبوابها للطلبة و الجامعيين و حتى زورا العاصمة بأسعار في المتناول.
في هذا الركن الذي لا تزيد مساحته عنه 18 مترا تتزاحم عشرات الكتب و العناوين القيمة و من هنا مرت كبار القامات الفكرية أمثال مولود فرعون، وآسيا جبار، ومالك حداد و إمانويل روبلاس، وجورج آرنو، ألبير كامو، وإدمون شارلو، وشارل بروني.
الكثير من المكتبات القديمة بالعاصمة غيرت نشاطها ،منها من تحول إلى بيع الملابس و الأحذية و منها من تحول إلى مطاعم للأكل السريع أو محلات لبيع الأثاث مثلما حدث مع مكتبة الغزالي التي تحولت إلى بيع الأحذية


نعيمة.م